الأحد، 8 نوفمبر 2009

قبلة الوزيرة علي يد السيدة الأولي‮!!‬

بقلم‮: ‬عادل صبري


بعد خروج السيدة الأولي سوزان مبارك من قاعة خوفو بمركز القاهرة للمؤتمرات عقب انتهاء ندوة ترأسها نجلها جمال السبت الماضي،‮ ‬هرول نحوها كبار المسئولين وخاصة القيادات النسائية لتقديم التحية والسلام‮. ‬المشهد كان عادياً،‮ ‬وركزت عليه كاميرات التليفزيون التي أرادت أن تبين الحميمية التي تتمتع بها السيدة الأولي بين صفوة الحزب الحاكم،‮

‬وإذ بإحدي الوزيرات تخطف يد السيدة الأولي لتقبلها علي الملأ قبل أن تغادر موقعها‮. ‬انتهي الموقف بسرعة البرق ولم تستطع أجهزة الإعلام أن تخفي ملامحه،‮ ‬ولكن الدهشة التي أصابت المشاهدين جعلت بعض الناس لا يصدقون ما رأوا وأخذ الكل يحدث الآخر بما شاهد علي الهواء مباشرة ويتساءل‮: ‬أحقيقة ما رأيت؟ خيم الذهول علي المشاهدين بينما الكاميرا التليفزيونية كانت حائرة في نقلها للحدث،‮

‬لأنها لم تستطع اخفاء الموقف برمته،‮ ‬وخرجت السيدة الأولي والوزيرة التي انكبت علي يديها لتقبلها من كادر الصورة،‮ ‬بينما الحيرة التي تركها المنظر في نفوسنا جعلت النوم لا يفارق جفوننا عدة أيام‮.‬ كلما عدنا إلي المشهد لاحظنا أن الوزيرة خطفت يد السيدة الأولي خطفا كي تطبع عليها قبلة السلام،‮ ‬فلا السيدة الأولي انزعجت ولا الوزيرة خجلت من فعلتها أمام الحضور والرأي العام‮. ‬

وبدا لكل من رأي أن هذا تصرف تلقائي من الطرفين أنه عادة،‮ ‬وكأنه طقس في عبادة أهل السلطان‮. ‬فجر الموقف تساؤلات حول الدوافع التي تجعل البعض يقبل علي هذه الفعلة التي نمارسها ليل نهار مع أبوينا أو شيوخنا وقساوسنا عرفانا بالجميل أو توقيرا لأهل العلم والدين‮. ‬وقد يندفع البعض نحو معلمه أو شخص مسن يحبه أو صاحب فضل عليه ليعلن له الولاء علي مشهد من الناس في إطار تربية دينية تدعونا إلي توقير الكبير واحترام الصغير والطاعة أولي الأمر،‮

‬ولكن مراجعة سريعة لشريط الأحداث تظهر أن الفرق في العمر بين الطرفين لا يتجاوز بضع سنين وأن العلاقة هنا ليست إلا موالاة لأهل النعم قبل أن تكون وفاء واجلالا لصاحبة اليد العليا في المعادلة‮.‬ مشهد الوزيرة التي انكبت علي يد السيدة الأولي لتقبلها لم يكن منفصلاً‮ ‬عما يحدث في أروقة الحزب الوطني،‮ ‬فقد كان الحديث يدور حول تعديل وزاري موسع وانتخابات برلمانية قادمة تستلزم من كل الأعضاء الالتزام بالولاء والطاعة‮.

‬وأمين السياسات يظهر‮ ‬غضبه مما تطالب به أحزاب المعارضة والقوي السياسية من تعديل في النظام السياسي بما يسمح بمساءلة الحكومة ورئيسها عن أفعالها ومكافحة الفساد والحد من الفقر والبطالة‮. ‬وقاد أمين التنظيم وصلة مطولة يتداولها الشباب علي مواقع الانترنت علي طريقة‮ »‬أنا المعلم يالاه‮..« ‬ويمنح نفسه حجما أكبر مما وهبه الله يصل به إلي تهديد خلق الله المعارضين له وتصويرهم علي أنهم الخوارج والكفار بنعم الحزب الحاكم التي لا تحصي ولا تعد‮.

‬وصال معلمي العزيز علي الدين هلال أمين الإعلام،‮ ‬وجال أثناء الجلسات وخارجها في كلام حول الشرعية الدستورية التي يتمتع بها حزب النبي حارسه الوطني الحاكم لدرجة جعلته يرفع شعاراً‮ ‬جريئا بقوله‮: ‬إن شرعية رئيس مصر القادم لن تكون البطولة العسكرية،‮ ‬بينما وصف الدكتور علي الدين هلال من يرشح أسماء للرئاسة من شاكلة الدكتور البرادعي أو زويل بأنه‮: »‬تنطع سياسي‮«.‬ إذن نحن أمام موقف مختلف في الأفعال متوحد في الرؤي والنتائج،‮

‬فالقبلة علي يد السيدة الأولي لا تصبح هنا نوعاً‮ ‬من التكريم أو التوقير بقدر حرص أصاحبها علي إعلان الولاء التام لمن بيدهم الأمر والملكوت‮. ‬عندما يطالب الخوارج علي الحزب الوطني بأية قواعد للمسئولية والمحاسبة،‮ ‬يعد ذلك درباً‮ ‬من الجنون وعدم الاعتراف بالمألوف‮.

‬فمراجعة بسيطة لطريقة تشكيل الحكومة واختيار القيادة المهمة في الدولة تكشف عن تناغم السياسات التي تشغل دولاب السلطة في الدولة‮. ‬فكم وزيراً‮ ‬اعترف بعد خروجه من الحكومة مقالا أو مستقيلا بأنه لم يعرف أبدا لماذا اختير أو لماذا خرج من موقعه؟‮! ‬ونشاهد بأم أعيننا وزراء ومحافظين ومسئولين أقل ما يوصفون به بأنهم موظفون في بداية السلم الوظيفي لا تسمع لهم رأياً‮ ‬ولا يتحركون إلا بتعليمات يدعون أنها تأتي من‮ »‬فوق‮« ‬فلا ناقة لهم فيها ولا جمل‮.

‬وليس‮ ‬غريباً‮ ‬أن توافق وزارة علي تشغيل فتياتنا خادمات عند أهل الخليج أو‮ ‬غيرهم،‮ ‬وتوقع علي ذلك في عقود رسمية كما حدث في صفقة الكويت الأخيرة وتعتبر ذلك ضمن فرص التوظيف التي جلبتها لنا بعد جهد جهيد‮!!. ‬ولا نجد‮ ‬غرابة في أن بعض المسئولين وقد أنهكهم المرض يتربعون علي مقاعدهم،‮ ‬لأن الرضا السامي مازال يرفرف بأجنحته عليهم،‮ ‬فما عليهم إلا أن يفعلوا ما يشاءون وليمت الرافضون‮.‬

انتهي الحزب الوطني من مؤتمره السنوي،‮ ‬بعد أيام معدودات ملأ الدنيا فيها ضجيجا حول انجازاته التي نسي فيها أنه المسئول الأول عن معدلات بطالة جعلت إحدي الفتيات المسيحيات من قنا والتي فازت علي مستوي قريتها بأصوات المسلمين والمسيحين تقول للرئيس مبارك أثناء المؤتمر‮: ‬يا ريس البنات في قريتنا أصبح مش عارف يتجاوزوا بعد سن الثلاثين والشباب مش قادر يفتح بيت رغم بلوغه الأربعين لأن فرصة العمل‮ ‬غير موجودة‮. ‬

عبرت الفتاة الصعيدية عن مشكلة كل بيت في مصر به ولد أو بنت لم يعد أمامهما سوي لعق مرارة البطالة والبحث عن وسيلة تخرجهم منها ولن يجدوها،‮ ‬إلا عن طريق الرشوة أو وقوفهم في مسيرة أي شخص يمد يده إليهم فيقبلونها لعلهم في يوم من أيام الحزب الحاكم يرتقون إلي ما وصل إليه من نفوذ وجاه‮.‬ عندما يختار المسئول فلسفة القبلات علي الأيادي لضمان ترقيته من أسفل السلم الوظيفي إلي قمته فذلك يكشف جلياً‮ ‬أن النظام لم يعد به معايير للعمل وقياس كفاءات الناس،‮

‬وأن العدالة في الدولة لها عدة مكاييل،‮ ‬وفي هذه الحالة نعذر الحزب الوطني الحاكم وقياداته التي فجرت ثورتها ضد كل من يطالبهم بوضع قواعد تضمن سلامة النظام السياسي بالدولة والبحث عن مخرج من الحالة التي أصبحنا عليها ولم تعد تسر عدواً‮ ‬قبل الحبيب‮.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق