بقلم سليمان جودة ٢٧/ ٥/ ٢٠٠٩ المصرى اليوم
حصل الرئيس مبارك على مبايعة جماعية من الناس، ثلاث مرات، وكانت المبايعة، فى كل مرة، أقرب ما تكون إلى «شيك على بياض» يستطيع الرئيس أن يكتب فيه ما يشاء، وأن يملأه بما يحب، فيجد وراءه موافقة شاملة تقول: آمين! صحيح أن الرئيس قد جرى اختياره، لحكم مصر، مرتين منذ البداية.. مرة حين اختاره الرئيس السادات نائبًا عام ١٩٧٥، ومرة حين أصبح رئيسًا واستوفى الشكل القانونى والدستورى عام ١٩٨١.. وصحيح أيضًا أنه قد جرى انتخابه جماهيريًا، للمرة الأولى، عام ٢٠٠٥، وأنه أول رئيس منتخب، منذ قيام ثورة يوليو، إلى هذه اللحظة.. وصحيح.. وصحيح.. ولكن كل هذا كوم.. أما المرات الثلاث فهى كوم آخر تمامًا لا علاقة له بما سواه. كانت المرة الأولى، عام ١٩٨٦، عندما اندلعت أحداث الأمن المركزى الشهيرة، وأصبح البلد فى ذلك الوقت على حافة الخطر، فاتخذ الرئيس من القرارات ما رآه صوابًا، لحفظ استقرار كان فى مواجهة تهديد حقيقى، ووجد وراءه تعاطفًا من المصريين، وتأييدًا، لم يكن لهما مثيل طوال السنوات الخمس السابقة عليها.. وقتها، أحس الرئيس، أن الملايين وراءه مستعدون لخوض البحر، إذا قرر أن يخوضه بهم. ثم كنا على موعد، مع المرة الثانية، بعدها بتسع سنوات، وتحديدًا فى صيف عام ١٩٩٥، حين تعرض الرئيس لمحاولة الاغتيال إياها فى إثيوبيا، ونجا منها بفضل الله، فتكرر التعاطف، ومن ورائه التأييد، على نحو عاصف، لم يحدث من قبل.. وكان كل مواطن، فى هذه المرة الثانية، سعيدًا بنجاة الرئيس، وكان الجميع يخرجون ليعبرِّوا عن هذه السعادة، فى تلقائية فطرية، لا إجبار فيها من أحد، ولا إرغام.. وأظن، أن الرئيس قد أحس بكل هذا، ووجد حفاوة من الناس، وهو عائد يومها من المطار، كانت مدهشة، بل مذهلة! ثم جاءت المرة الثالثة، بعد الثانية بـ ١٤ عامًا، وكانت خلال الأسبوع الماضى، حين فقد الرئيس حفيده المحبب إلى قلبه، فوجد هذا القلب إقبالاً منا، أدهش الذين تابعوه، عربيًا، وعالميًا، ولا يزال.. لم يظهر الرئيس مطلقًا، منذ لحظة رحيل الحفيد الجميل، إلى خمسة أيام بعدها، ولم يكن حزنه باديًا لأحد، ومع ذلك، فإن شعورًا عميقًا من التعاطف الجيّاش بذله المصريون، بلا استثناء، تجاه رئيسهم، وكان على درجة من الحميمية يندر أن يكون لها شبيه.. ولابد أن كل مصرى، يتمنى من أعماق قلبه، لو انتهز الرئيس، هذه الفرصة الثالثة النادرة، وبادر من منطلق هذا التعاطف المتدفق، بإجراء إصلاح حقيقى، يترقبه كل محب لهذا البلد.. يتمنى كل مصرى، خائف على وطنه، لو أن الرئيس فى هذه الحالة النادرة راح يتأمل الأوضاع حوله، واكتشف أن أصحاب المصالح يقاتلون من أجل بقائها، على حالها، وبالتالى على سوئها، وأن آحاد الناس العاديين يرغبون فى تغييرها جذريًا، فيميل الرئيس إلى حيث يقف الذين أحبوه، وتعاطفوا معه، وشاركوه أحزانه بصدق.. هؤلاء المحبون له، يعرف الرئيس جيدًا، أنهم قد ضاقوا تمامًا بأنصاف الحلول، وأشباه الرجال ممّنْ يقاومون أى إصلاح! هذه فرصتك الثالثة، متاحة كاملة، يا سيادة الرئيس.. فاقتنصها، ولا تخذل الذين منحوك طوفانًا من المشاعر النبيلة! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق