سليم عزوز (المصريون) : بتاريخ 3 - 6 - 2009
تشهد مؤسستا " الأهرام" و " أخبار اليوم" انتفاضة عارمة ضد القرار المتعجل والمرتبك لرئيس مجلس الشوري بدمج مؤسسة دار التعاون (الصحفية) في " الأهرام" و " أخبار اليوم"، وقد بدا الرجل متمسكا بقراره، وليس مستعدا للعدول عنه، فقد حصنه بموافقة اللجنة العامة، ثم موافقة المجلس، ولم نسمع ان أحدا في اللجنة او في المجلس قد انتقد القرار، فما كان للسادة الأعضاء أن يردوا طلبا لزعيمهم المفدي، وهو صاحب هذا القرار التحفة، الذي يتعامل مع حل مشكلات المؤسسات الصحفية، علي طريقة حل مشكلات محلات الكوارع!في البدء كان القرار فرديا من قبل رئيس مجلس الشوري سالف الذكر، اتخذه بحسبانه المالك للصحف القومية، فإذا كانت هذه الصحف مملوكة للشعب المصري، ويديرها مجلس الشوري، فقد اختزل سيادته الشعب في المجلس، واختزل المجلس في شخصه، وصار بالتالي هو الشعب المصري، ولا مانع لدينا من ان ينصبوه ملكا لمصر والسودان، لكن ما هكذا تورد الإبل!.القرار ينص علي دمج العاملين دون الأصول، وهذا بيت القصيد، فيتم إلحاق الصحفيين بمطبوعة " المسائية" بمؤسسة " أخبار اليوم"، ودمج صحفيي المطبوعات الاخري للمؤسسة، والتي لا أتذكر أسماءها وإنما هي قريبة من " التعاون" و" وش الخير" و " أرضنا الخضراء"، وما شابه، الي مؤسسة " الأهرام"، علي ان يتم إلحاق العاملين من غير الصحفيين بشركة التوزيع المصرية، علي امل ان يتم إلحاقهم بـ " الأهرام" و " اخبار اليوم" في شهر سبتمبر المقبل!ومما قيل هنا، ان مؤسسة "دار التعاون" تحقق خسائر مهولة، فكان القرار بـ " تغيير العتبة"، كما ان صحف المؤسسة لا تنقصها سوي الترويج حتي يتخطفها الناس من باعة الصحف، وهو أمر يبدو للوهلة الأولي منطقيا، فما هو المبرر للإبقاء علي مؤسسة منحوسة، وتتحمل ميزانية الدولة المصرية خسائرها؟، وكان ما قيل هو الحق الذي يراد به باطل!.الدولة تتحمل بنفس راضية خسائر الصحف، فهذا النظام الشمولي ليس مستعدا لان يفرط في إعلامه بالخصخصة، وان كان في كافة المجالات الاخري قد باع الأرض ومن عليها، ولم يبق لنا سوي السكك الحديدية، وسوف تباع باسم واحد احد، إلا انه ليس مستعدا للتفريط في شرفه، الذي يتمثل في إعلامه، وهو مثل عود الكبريت كما هو معروف. انه نظام رأسمالي عتويل فيما يختص بالنظرة للقطاع العام، لكن عندما يقترب مقترب من الإعلام، فانه نظام اشتراكي أبا عن جد!
لا بأس، فلا يلام القوم ان ضجوا بخسائر المؤسسات الصحفية، وقرروا ان يتوقفوا عن سياسة " التدليل" المفسدة، وبحثوا عن خطة فلم تروق لهم الخصخصة، فكان قرار الدمج، وعلي طريقة " تحميل" علب الكبريت علي البضائع عند غياب " الفكه" وهي سياسة محلات البقالة والباعة السريحة، وما كان للدولة المصرية ان تتصرف علي هذا النحو، الذي لن يحل المشكلة، ولكن سيرحلها لتعاني منها المؤسسات الاخري!.لكن هل صحيح أن الخسائر هي السبب في هذا القرار المتعجل والمرتبك لرئيس مجلس الشوري؟!لا اصدق ما قيل هنا، ذلك بأن فشل مؤسسة "دار التعاون" ليس قدرا، فقد كانت المؤسسة تخسر في الوقت الذي وافق فيه صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري علي ان تتحول مطبوعتها الأسبوعية " السياسي" الي مطبوعة يومية تحمل اسم " المسائية"، وهو قرار خاطئ، لاسيما وان من تم جلبه رئيسا لمجلس إدارة دار التعاون ولرئاسة تحرير " السياسي" لم يثبت كرامة من أي نوع، وفي أي وقت، تؤكد ان سيادته قادر علي ان يضبط إيقاع المؤسسة، او ان ينجح في الإصدار اليومي او حتي الموسمي، فتوزيع المناصب الصحفية الكبري أشبه بمكافأة نهاية الخدمة، لا تعطي للقادرين علي العطاء، وانما تمنح علي طريقة مولانا ولي النعم!.هذا من ناحية، ومن ناحية أخري، فإذا كان الأمر مرده الي خسائر " دار التعاون" فانها ليست وحدها الخاسرة، فدار المعارف تخسر، ودار التحرير تخسر، ودار الهلال تخسر، و روزا ليوسف تخسر، والأخيرة تمت الموافقة لها علي إصدار يومي لا يزيد توزيعه علي عدة مئات من النسخ يوميا، الأمر الذي يجعل من استمرار صدورها يدخل في باب السفه، ولو قام به شخص من ماله الخاص، لحق لورثته أن يحصلوا علي حكم قضائي بالحجر عليه!.ولم يتم دمج كل هذه المؤسسات الخسارة، في المؤسسات الناجحة، دعك من موشح ان هذه المطبوعات لا ينقصها سوي الترويج، فالمنتج الذي نطالعه لا يمكن ترويجه ولو تولت وسائل الإعلام العالمية الترويج له، ولو نادوا عليه في الأسواق، ولو وزعوه بالمجان!.ان اختزال المشكلة في الترويج، هو مجرد كلام في الهواء يشبه الي حد كبير حالة " الابتهاج" التي انتابت خالد الذكر " ممتاز القط" رئيس تحرير " أخبار اليوم"، وصاحب المقال التاريخي عن " طشة الملوخية"، عندما تمت استضافته في برنامج " 48 ساعة" علي قناة " المحور"، ومرد حالة الابتهاج هذه ان مؤسسة " أخبار اليوم" قد كسبت " رخصة مسائية"، وبشكل يوحي كما لو كان حصول مؤسسته علي رخصة مسائية عملية شاقة، مع ان الأمر لن يكلفه سوي طلب للمجلس الاعلي للصحافة، لكنه بدا مبتهجا، وكأن ثروة معتبرة سقطت علي أم رأسه من السماء، لأنه يعلم ان الدمج هو رغبة صفوت الشريف، وقراره، الذي ألقاه الوحي في قلبه.. لا تنسي ان تفتح الشين عندما تنطق اسم الشريف، كما كان يفعل مذيعو التليفزيون عندما كان وزيرا للإعلام، فهو حريص علي ذلك ليؤكد انه من الأشراف.. زمان طالبت له جريدة " صوت الأمة" في عهد عادل حمودة بمنصب نقيب الأشراف، وكان الطالب هو صديقنا محمد الدريني رئيس ما يسمي بالمجلس الاعلي لآل البيت، في ذروة خلافه مع النقيب الراحل محمد كامل ياسين!
هنا تكمن المشكلة، فصفوت الشريف هو صاحب القرار بالدمج، لم يستشر فيه أحدا، ولم يناقشه مع الجمعيات العمومية للمؤسسات الثلاث المعنية به: " دار التعاون" و " أخبار اليوم" و " الأهرام"، فقد تصرف علي انه - بشخصه قبل صفته - هو المالك للصحف القومية، وقد أصدر القرار منفردا، وبدأ في التنفيذ، لدرجة أنني ناقشت مع احد المحامين إقامة دعوي قضائية بإلغائه، بصفتي مواطن مصري، وبهذه الصفة فانا واحد من 80 مليون مصري يملكون هذه الصحف، وليس صفوت الشريف بمفرده!.وعندما ثار الزملاء في " الأهرام" و" أخبار اليوم" ، سعي لتحصين القرار من خلال الحصول علي موافقة اللجنة العامة، ثم مجلس الشوري، حتي يقطع الطريق علي تدخل الرئيس، لاحظ ان المجلس علي وشك ان يرفع جلساته، ولا يلغ قراره إلا بقرار، ولن يكون هذا إلا في نوفمبر، ان عشنا.. مؤكد انه سيعيش هو!.لقد جاء قرار الدمج فرديا، وقرار بهذا الشكل لا ينبغي أن يصدر إلا بعد مناقشات مستفيضة، داخل لجان المجلس، وتعقد لذلك لجان استماع، وندوات، يدعي إليها أصحاب الشأن، والخبراء، لا ان يصدر بشكل فردي، مشمولا بالتعجل والارتباك!.لكن الرجل أكبر من ان يستشير، فما يريده يقرره، وليس بحاجة إلي ان يناقش أحدا في تجلياته، وقد قال ردا لانتفاضة العاملين في " أخبار اليوم" و " الأهرام" احتجاجا علي صدور القرار دون مناقشتهم فيه، ان المجلس هو الذي يملك المؤسسات، فاته ان هذه الملكية هي للشعب المصري، ومجلس الشوري مفوض بإدارتها الإدارة الرشيدة، فان انتفت صفة الرشد سقطت الوكالة، وكان ما يصدر في هذه الحالة يكون مشوبا بعدم المشروعية، ومتخلقا في رحم البطلان، ومرتقيا الي مرتبة الانعدام، فلا يجوز للوكيل ان يتخذ قرارا يؤثر في ملكية الأصيل وفي حضوره علي هذا النحو!.مجلس الشوري ينوب عن الشعب المصري في الإدارة ( والمجلس ليس هو شخص رئيسه) وهذه الإنابة لا تخول له الحق في اتخاذ قرارات مصيرية، تخرج عن إطار الإدارة، فالدمج وإلغاء مؤسسة قائمة من الوجود يخرج عن ما هو مخول لمجلس الشوري في أمره، وليس في سلطة رئيسه، وعندما يتوج ملكا لمصر والسودان فان من حقه ان يتصرف في الأرض ومن عليها تصرف المالك فيما يملك، وينتهج سياسة مولانا ولي النعيم، التي تروق له.
ربما لو كان قرار الدمج يشمل الأصول، فلن يكن الزملاء في " الأهرام" و " أخبار اليوم" قد انتفضوا، فربما لا يعلم كثيرون ان الموضوع كله يدور حول هذه الأصول، وهي فيها الطمع ومن اجل الاستيلاء عليها صدر القرار، ويتم التمسك به باعتباره من القرارات السيادية!.مؤسسة " دار التعاون" تمتلك قصرا في منطقة جاردن سيتي، وتطمع فيه السفارة الأمريكية، وقد طلبت ان تدفع فيه ما يقرب من 2 مليار جنيه، كأن تحته آبار نفط. كما تمتلك أرضا شاسعة في منطقة المعادي، وفي الإسكندرية. وما سيحدث هو ان يتم بيع هذه الأصول، علي طريقة بيع القطاع العام، لكن من سيبيع هذه المرة ليس وزارة قطاع الأعمال، لكنه صفوت الشريف بصفته المالك. لا حظ كيف باع عاطف عبيد مقدرات الشعب المصري بتراب الفلوس، ففي غيبة صاحب الملك – بكسر الميم - يفوز باللذات كل بائع!.هذا هو الموضوع باختصار، لا بسبب الخسائر، ولا بهدف النهوض بتوزيع المطبوعات الفاشلة من خلال الترويج لها في الصحف الكبري، فلو كان أمر خسائر لتم بيع القصر، وبثمنه يمكن إصدار " أهرام" أخري، شريطة ان يتم اختيار الأكفأ للقيام بهذه المهمة!.ولان الأصول فيها الطمع فقد كان القرار ارتجاليا، ففي البدء تقرر ان تلحق المطبوعات الاخري في " دار التعاون" بوزارة الزراعة، كما قيل ان مؤسسة " دار الشعب".. والدور عليها، سوف يتم الحاقها بمحافظة القاهرة، وإذا حدث هذا فإننا نكون أمام قرار باطل قانونا بالثلاثة، ولكن يبدو ان احدا نبه صاحب القرار الي خطورة ذلك فتراجع ، والذي لم يكن يعنيه سوي التخلص من العمالة، ليحصل علي الأصول بيضة مقشرة.قد يتم الضغط علي الزملاء بشتي الطرق ليسمحوا بتنفيذ قرار صفوت الشريف، لكن سيتم التأريخ بهذا القرار لمرحلة جديدة وهي انهيار تجربة الصحافة القومية في مصر.. وان كنت اعتقد ان المرحلة لم تبدأ بالقرار وإنما بدأت بتعيين صفوت الشريف رئيسا بمجلس الشوري، وهو لم يثبت كرامة في مجال الإعلام المرئي والمسموع، فقد جعلنا مسخرة أمام قناة وليدة هي " الجزيرة"، واكتفي بإطلاق الشعارات من نوعية " الريادة الإعلامية".. لا يوجد في الدوحة من يصكون شعارات كشعاراته، فقد هزمناهم في هذا الجانب. وسوف يواصل فكره الجديد مع الصحافة المكتوبة.لا بأس فنحن في زمن "طشة الملوخية".azouz1966@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق