الجمعة، 31 يوليو 2009

إبراهيم عيسي يكتب: النيل ما جاشي


أفهم أن يكون النظام المصري عشوائيًا وارتجاليًا ولامباليًا ومشغولاً بتقبيل يد الحاكم وتبجيله وتمجيده وتقديسه.. فهكذا نحن منذ فجر 23يوليو، لكن مع التسليم بأن الفراعنة يحكموننا سواء عبدالناصر أو السادات ثم مبارك إلا أن هناك فرقاً هائلاً بين كفاءة جمال عبدالناصر الوطنية رغم ديكتاتوريته وبين نظام مشغول بإرضاء إسرائيل ويُقطِّع حكامها السفاحون ومجرمو الحرب تورتة عليها علم مصر بمنتهي الصفاقة والوقاحة، والنظام المصري صموت وبالع الزلط ولا همه ولا هنا بل ممتلئ بالنفخة الكدابة،

مهموم نظامنا الآن بمخاصمة ومعاداة إيران وأن يجعلها العدو ويصنع فتنة مذهبية جامحة بين المسلمين وسط حفاوة مدهشة ومزرية من حكام تل أبيب الذين اعتنقوا فجأة مذهب الوهابية وصاروا من مدافعي أهل السنَّة والجماعة بينما النظام تائه وزائغ البصر عما يحدث تحت أقدامه في دول حوض النيل !
فارق ضخم وهائل ورهيب بين حاكم مستبد كجمال عبدالناصر أنقذ مصر من العطش حين وقَّع اتفاقية حوض النيل وأمد مصر بحقها التاريخي والريادي الذي استمدته من قيادتها لحركات التحرر في أفريقيا ضد قوي الاستعمار،

وحين بني السد العالي الذي أنقذنا من الطوفان والغرق وبين نظام يغطس في الفساد والاستبداد، مشغول بمكافأة وزير سابق علي اتهاماته بالفساد والإفساد بمنحه مليونًا ومائتي ألف جنيه شهريًا راتبًا لوظيفة حكومية ويتجاهل ضعضعة موقف مصر في أفريقيا، حيث زار رئيسنا فرنسا أكثر من خمسين مرة وإيطاليا 18 مرة وألمانيا 24 سفرية لكنك لا تتذكر كم مرة سافر لدولة أفريقية، وهل زار يوما أوغندا، وهل مكث أياما في الكونغو كما يقضي أيامه في العواصم الأوروبية، وهل رواندا أو بوروندي تتطلع لزيارة الرئيس مبارك كما يتطلع إليها البيت الأبيض أو الأخضر، وألا تستحق إثيوبيا أن تتشرف بزيارات متكررة للسيد الرئيس كما يفعلها مع الشقيقة السعودية والأخت الإمارات؟!

الآن في الإسكندرية اجتماع لوزراء حوض النيل تتعثر فيه مصر بين رغبة في أن تكون تلك الدولة التي كانت وبين ما باتت عليه وفيه، البعض يطمئننا أن سد جمال عبدالناصر سيحفظنا بإرادة الله ست سنوات أخري من أي خطر، لكن ماذا سيترك لنا هذا النظام بعد ست سنوات ؟ هل سنتذكر له سدا أم لن ننسي له غرقا ؟

كتبت في 31مايو الماضي وقبل اجتماع وزراء حوض النيل في الإسكندرية إننا سوف نغطس في مشكلة ما يعلم بيها إلا ربنا، ومن ثم يجب أن نتخلي عن حالة الفهلوة والعشوائية التي نخوض بها مناقشاتنا مع دول حوض النيل حتي نستطيع أن نقنع هذه الدول بالإبقاء علي حصة مصر من مياه النيل! لكن لا تزال حالة التسبيح بحكمة الرئيس وإلقاء تهمة الغفلة علي وزير الري السابق باعتباره هو الذي تكاسل في تنبيه مصر أن إثيوبيا بنت سداً يهدد حصة مصر من مياه النيل.. وخرج الرجل من الوزارة بينما كان الأمر يستوجب خروج النظام من الحكم.

منذ سنوات وحكومات دول حوض النيل (تسع دول والعاشرة مصر) تتذمر من الاتفاقية التي وقَّعت عليها مع مصر عام 1959 واتفاقيات ثنائية قبل هذا التاريخ وبعده مع بعض هذه الدول التي تنص علي حصول مصر علي 55.5 مليار متر مكعب من ماء النيل (السودان تحصل علي 14مليارًا) مع ملاحظة أن مصر تحصل علي 85% من حصتها عبر إثيوبيا و15%عبر أوغندا (ياه فين أيام امتحانات الجغرافيا؟)، وتحاول هذه الدول أن تلف وتدور، توحي وتومئ لمصر بأنها لم تعد راضية علي بقاء هذه الاتفاقية مع تغير الظروف وتبدل المرحلة واختلاف الاحتياجات،

ويرصد المتابعون لهذه الأزمة المكتومة عدة عوامل كما سبق وكتبت ونشرت:
1- بعض هذه الدول ملتزمة بالاتفاقية التي وقَّعتها قوي الاحتلال وليست الحكومات المحررة المستقلة، ومن ثم فهي تشعر ظلمًا في النصوص بات السكوت عنه شيئًا من مخلفات الماضي الاستعماري (الاتفاق مع أوغندا كان في الأصل بين إيطاليا وبريطانيا حول حقوق المياه في مصر والسودان).
2- هذه الحكومات تبحث عن إقامة مشروعات علي ضفاف منابع النيل تمنعها عنها الاتفاقية وتعطل مواردها.
3- هذه الدول تريد بيع النيل لمصر ولغيرها كما يتم بيع البترول والغاز الطبيعي باعتبار الماء ثروة طبيعية تنبع من أراضيها.
4- مرور خمسين عامًا علي اتفاقية وثمانين عاماً علي اتفاقية أخري- من وجهة نظرهم- فرصة للبحث في نصوصها ومراجعة التزاماتها (خصوصا أنها كانت بين مصر والمندوب السامي البريطاني مثلا).
5- تلعب إسرائيل دورًا خطيرًا ومؤكدًا في اختراق هذه الدول والتأثير في قراراتها فيما يختص بالنيل هادفة من وراء ذلك إلي:

أ - استنزاف مصر وتكسير عظامها والضغط علي مقدَّراتها؛ فالنيل شريان حياة المصريين.
ب - توصيل مياه النيل إلي إسرائيل ضمن مشروعات عملاقة تسعي إسرائيل بها إلي وقاية نفسها من حروب المياه المقبلة وندرة المياه المتوقعة في المستقبل القريب.

الآن ومع كل هذه الإشارات والمؤشرات التي كانت واضحة لكل ذي عين يري منذ سنوات ماذا فعلت مصر تجاهها؟ الإجابة: ولا حاجة، كل ما فعلته هو تمسك متصلب وخشن بالاتفاقية، ثم الحديث المكرر والمعاد حول حقوقها التاريخية، لكن هل تحركت أبعد من ذلك؟

هل استنفرت طاقتها وقدراتها علي فعل شيء تأهبًا للحظة المواجهة الكبري؟ إطلاقا! وما الذي يجب أن تفعله مصر أصلاً؟ أول ما يجب أن تفعله أن تنتبه إلي أن مسألة الحقوق التاريخية كانت تتماشي مع مصر عبدالناصر ذات الدور الأفريقي التحرري والقيادي والداعم والمساعد للشعوب الأفريقية في تحررها واستقلالها (هذا الذي يسخر منه رجالات أمانة السياسات والكويز)

إن ما تملكه مصر من حقوق علي الأفارقة، خصوصًا دول حوض النيل «كان زمان» لكن مصر التي تغيرت منذ ثلاثين عامًا وتخلت عن تاريخها لا يجب أن تعتبر هذا التاريخ (المتبرَّأ منه) هو كل ما تملك في مواجهة دول أفريقية! لابد أن نتفهم أن لهذه الدول طموحات ومطامع كذلك دون التعالي ولا التأفف الذي لا تفهم أمارته إيه. فماذا نفعل نحن لهذه الشعوب وتلك الدول حتي نملك حق إعطائهم أوامر؟

ما كان يجب علينا (والوقت لم يفت بعد) أن نرمي بكل حملنا وقوتنا الثقافية والدينية مع شعوب هذه الدول (كينيا، تنزانيا ،أوغندا، إريتريا، الكونغو الديمقراطية، رواندا وبوروندي،) ونتواصل معها (بعيدًا عن مباريات كرة القدم التي لا نكف فيها عن السخرية من مستوي نقل المباريات، وكأن مخرجي مبارياتنا في التليفزيون المصري بيفهموا في الإخراج)،

ومن الواجب أن تمتد علاقاتنا الشعبية واستثماراتنا الزراعية والصناعية مع دول حوض النيل ونقيم المشروعات المشتركة وننشئ فروعًا للأزهر ونستقبل طلابًا بالمئات والآلاف من هذه الدول ونوجه لشعوبها إذاعات ومحطات مصرية بلغاتهم؛ وأن ننظم زيارات لحسام حسن ومحمد أبوتريكة وحسن شحاتة لشعوب هذه الدول حتي نسكن قلوبها ونلمس عقولها بنجومنا المحبوبين والمشهورين في أفريقيا،

حتي نتمكن من الترابط والتآصر مع الشعوب التي تدفع حكوماتها للدفاع عن حق مصر التاريخي قبل أن تطلبه مصر بنفسها، كان ولابد (والوقت لم ينفد بعد) أن نؤسس برلمانًا لدول حوض النيل ونوقع مواثيق وبروتوكولات فنية وثقافية وأثرية وصناعية مع حكوماتها؛

بحيث تكون علاقتنا بها متينة وأصيلة ومتشعبة ولا تتحول هذه المنطقة بالنسبة إلينا إلي تهديد جغرافي مائي كارثي. ثم كان علينا (وأتمني ألا يكون الوقت قد انتهي بعد) أن نلعب ضد إسرائيل في أفريقيا اللعبة الأهم والأخطر وأن نتعامل مع الدور الإسرائيلي في أفريقيا باعتباره حربًا باردة (وساخنة) ضد الشريان الاستراتيجي لمصر، أما ولم نفعل أياًّ من هذا كله، فطبيعي جداًّ أن يتكلم النظام المصري - الذي نسي تاريخه - عن حقه التاريخي!!

الدستور / 31 / 7 / 2009

لماذا قرر البابا المشاركة في لعبة التخمين السياسي حول الرئيس القادم؟


اعتبرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»الأمريكية أن البابا شنودة الثالث ـ بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ـ كان أول ظهور سياسي له هو قضية التوريث السياسي في مصر، عندما أشار إلي جمال مبارك نجل الرئيس باعتباره المرشح الأفضل لخلافة والده».

وأشارت الصحيفة الأمريكية في التقرير الذي نشرته علي موقعها الإلكتروني أمس تحت عنوان «البابا يفضل نجل الرئيس»أن الكثيرين في الساحة المصرية قد اتهموا الرئيس مبارك بمحاولة تمهيد الطريق لنجله، وأوضحت الصحيفة أن البابا رفض تقييم جمال مبارك بشكل مفصل، مشددا علي أنه سيفعل ذلك عندما يحين الوقت المناسب،


البابا يري جمال مبارك المرشح الأفضل بينما يعتبره المصريون خطراً علي الديمقراطية

إلا أن الصحيفة رأت أنه من غير الواضح لماذا قرر البابا المشاركة في لعبة التخمين السياسي المتعلقة بانتخابات الرئاسة المقررة عام 2011، مشيرة إلي أن كثيراً من المصريين يشعرون بعدم الاستقرار من احتمال الخلافة، ويعتبرونه خطرا علي الديمقراطية في البلاد، إذ يرون أن جمال ليس لديه خبرة سواء علي المستوي الداخلي أو السياسة الخارجية.

داليا الهمشرى / الدستور / 31 / 7 / 2009

وجيه سياج : الحكومة تحاول افتعال «شوشرة» والبحث عن مخرج أمام الرأي العام بادعاء أنني «مفلس»



قال «وجيه سياج» رجل الأعمال الذي حكم مركز تسوية منازعات الاستثمار الدولية «أكسيد» بتعويض 134 مليون دولار لصالحه ضد الحكومة المصرية إن الحكومة تحاول االتفاف حول الحكم الصادر لصالحه بافتعال «شوشرة» والبحث عن مخرج أمام الرأي العام، وادعت - علي حد قوله - علي لسان محاميها أن هناك أحكاماً قضائية صادرة ضده بالإفلاس مما يعني عدم وجود اعتبار قانوني له، ودفعت بعدم اختصاص مركز «اكسيد» في نظر الدعوي وهو ما رفضه «اكسيد».


وأضاف سياج في تصريحات لـ«الدستور» قائلا: إنه لا توجد أحكام إفلاس ضده أو ضد شركاته وأن إجمالي القروض التي حصلت عليها شركة الاستثمارات السياحية وإدارة الفنادق «سياج» من البنوك كانت 5 ملايين جنيه ولا توجد مديونية أخري طرفه أو طرف الشركة، وعلاقته بالبنوك تمثلت في حصوله علي موافقة بقرض 13 مليون جنيه من البنك العقاري العربي صرف منها الـ 5 ملايين جنيه المشار إليها فقط ومقابل رهونات علي 4 فيللات لمشروع في طابا، وهو نفس المشروع محل النزاع ،

إضافة إلي أن الأرقام التي يتم الإعلان عنها بأن مديونياتي تصل إلي 500 مليون جنيه عام 1983 غير منطقية لأنني - والكلام لوجيه سياج- كان عمري حينها 20 عاماً ولا يعقل أن تعطي البنوك هذا المبلغ لشخص في هذا العمر إضافة إلي أن هذه البنوك هي بنوك حكومية.

ورداً علي ما أثير حول عدم حصوله علي الجنسية اللبنانية وبالتالي عدم أحقيته في رفع الدعوي كمستثمر أجنبي، قال سياج إنه رفع الدعوي بصفته حاملاً للجنسية الإيطالية، ووجه حديثه إلي أحمد كمال أبو المجد - رئيس هيئة الدفاع عن الحكومة - وقال إنه يعلم جيداً أنني اختصمت الحكومة بأنني إيطالي الجنسية وليس لبنانياً علماً بأنني حاصل علي الجنسية اللبنانية لأن أبي من جذور لبنانية وجميع أوراقي سليمة «100%».

يذكر أن أحمد كمال أبو المجد كان قد أكد في تصريحات لـ «الدستور» حصول الحكومة علي مستند رسمي من الحكومة اللبنانية يؤكد أن سياج لم يحصل علي الجنسية اللبنانية.

وقال سياج أن المحكمة الفرنسية التي تنظر في دعوي وقف الحجز علي فرعي بنكي «الأهلي » و«مصر» بلندن وباريس تصدر حكمها اليوم، ومتوقع أن يكون بوقف التصرف في الأموال المحجوز عليها مع استمرار الحجز.

محمد على خير / الدستور / 31 / 7 / 2009

الخميس، 30 يوليو 2009

فصل من كتاب الدهشة


من عجيب أمر الفرنجة أن رؤساءهم يمرضون، وأن الصحفيين يخوضون فى الأمر ولا يحبسون، أما الأعجب فإن رؤساءهم لا يسألون فقط عما يفعلون وإنما أيضا عما ينفقون. وإذا لم تصدقنى فعد إلى الصحف التى صدرت هذا الأسبوع، ودقق فى أخبارها المدفونة فى الزوايا والأركان.

هناك ستجد تلك الأعاجيب منشورة على استحياء، كأنما أريد بطريقة النشر ألا ينتبه الناس فى بلادنا إلى أن ذلك يحدث فى بلاد أخرى، فيعن لبعض «الطائشين» تقليدهم، وربما خشى القائمون على تلك الصحف أن يصاب البعض بالفزع، ظانين أن تلك من علامات الساعة الصغرى، التى تمهد للعلامات الكبرى التى تؤذن بنهاية العالم.

ذكرت تلك الأخبار أن الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى أصيب بالإغماء أثناء ممارسته لرياضة الجرى الصباحية، وأنه نقل بسبب ذلك إلى مستشفى «فال دو جراس» العسكرى، وبعد فحصه اطمأن الأطباء إلى سلامة قلبه وأعصابه. وأدركوا أن المجهود الذى بذله الرئيس الفرنسى كان زائدا وأن الحر كان شديدا.

من ثم فإنهم نصحوه بالراحة لعدة أيام ولم يكتبوا له علاجا محددا. حين يقرأ الواحد منا هذا الكلام ينتبه إلى أن الرئيس شخص عادى، يتعب كما يتعب الآخرون، وتلم به العوارض التى تلم بغيره من البشر.

وأن إغماءه ونقله إلى المستشفى ليس سرا من أسرار الدولة. وأن من حق الناس أن يتعرفوا على حالته الصحية، ليس تعلقا به بالضرورة، ولكن لأن الرجل صاحب قرار فى شأن حاضرهم ومستقبلهم.

وهو ما يعنى أن مرضه أو مشاكله الصحية ليست شأنا عائليا فقط، ولكنه شأن عام أيضا، يلاحظ الواحد منا أيضا أن الصحفيين الفرنسيين الذين تطرقوا للموضوع، دخلوا فيه وخرجوا سالمين، لا أحد منهم اتهم بهتك أسرار الدولة أو «التلقيح» على الرئيس أو تمنى له الشر. وللدهشة فإن البنك المركزى الفرنسى لم يشر إلى تأثير نشر هذا الكلام على أسعار البورصات والاستثمار الأجنبى.

هذا كله فى كفة والخطاب الرسمى الذى تلقاه الرئيس وزوجته، يطالبهما بخفض نفقاتهما فى كفة أخرى. وتلك عجيبة أخرى أرشحها لأن تصنف فى بلادنا بحسبانها من علامات الساعة الصغرى حقا. لم تذكر الصحف الفرنسية من فعلها، ربما لأنها لم تجد فى الأمر غرابة، لكن الشاهد أن الرئيس أبلغ بأن نفقاته هو وزوجته تجاوزت الحدود. فهما يشتريان زهورا للقصر الرئاسى بما يعادل 660 جنيها إسترلينيا (حوالى ألف دولار) يوميا،

وهو رقم مبالغ فيه يحتاج إلى ضبط وربط. وكانت مراجعة حسابات الرئيس قد طالبته فى العام الماضى برد مبلغ 12 ألف جنيه إسترلينى للدولة، لأنه استخدم المبلغ لتسديد فواتير خاصة به وبزوجته. ومن هذا المبلغ 3 آلاف إسترلينى غرامة له لأنه تأخر فى دفع بعض الفواتير المستحقة.

فى الوقت ذاته نشرت صحيفة «بيلد» الألمانية على موقعها على الإنترنت أن تحت تصرف الرئيس الفرنسى 61 سيارة خدمة وطائرتى إيرباص وست طائرات فالكون. وعندما يسافر فى رحلات خاصة فإن طائرة ترافقه دائما ليتمكن من العودة إلى باريس فى أى وقت إذا حدث أى طارئ.

وذكرت الصحيفة على موقعها الإلكترونى أن الرئيس الفرنسى ينفق سنويا مليون يورو على المشروبات وربع مليون يورو على الخضراوات والفاكهة وحوالى 200 ألف يورو على اللحوم. أما جهاز العاملين فى الرئاسة ومقر الرئيس فيضم ألف موظف، بينهم 44 سائقا و87 طباخا.

لم تتهم الصحيفة بإفشاء أسرار الدولة، ولا بتهديد الأمن القومى الفرنسى. وعرف الفرنسيون كيف تدار الأمور داخل قصر الرئيس فى نوع من الشفافية يختلف عن تلك التى نعرفها ونتغنى بها، وغاية ما «تشف» عنه أنها ترينا صور الرئيس واستقبالاته فى مكتبه بالقصر الجمهورى.

وخارج هذه الدائرة ليس مسموحا لنا أن نعرف موارد الرئيس وأسرته أو تكلفة رحلاته أو قيمة بدلات السفر التى يتقاضاها، ولا عدد السيارات أو الطائرات التى يمكلها أو الاستراحات التى تحت تصرفه. وما يسرى على الرئيس ينطبق على غيره من أركان الحكم فى مصر.

وهناك سبب وجيه لهذا الاختلاف، ذلك أنهم فى فرنسا يعتبرونها أموال المواطنين الذين يدفعون الضرائب، لكنها فى بلادنا أموال خاصة تمت جبايتها من الرعية وشاءت المقادير أن تصب فى جيوب بذاتها. وفى أعرافنا أن ملك الملوك إذا وهب فلا تسألن عن السبب.

ولا تنس أنهم ــ جزاهم الله خيرا ــ احتملونا كثيرا طوال السنوات التى خلت. وليس من المروءة أو الشهامة أن ندس أنوفنا فى خصوصياتهم، وبدلا من أن نشكرهم على حمل همنا فلا يليق أن نسائلهم بما يعد تطاولا على مقاماتهم العليَّة.

فهمى هويدى / الشوق / 30 / 7 / 2009

مهرجون من أجل التوريث


يتمتع البابا شنودة كما يروى عنه جلساؤه بروح فكاهة وقدرة غير عادية على اصطياد «الإفيه» وتوليد النكتة من رحم أكثر المواقف كآبة وجهامة.

وعلى هذا الاعتبار قرأت رسالة البابا بشأن موضوع التوريث فى حواره المثير مع الزميل جابر القرموطى عبر برنامج «مانشيت» على قناة (on.tv)، ولعل هذه هى المرة الأولى التى يخوض فيها البطريرك فى موضوع جمال مبارك بهذا الوضوح وهذه القوة، ويلفت النظر هنا توقيت هذه التعديلات الطارئة فى رؤية البابا لمسألة الرئاسة فى مصر، حيث يأتى الحوار قبل نحو عشرين يوما فقط من زيارة الرئيس مبارك المرتقبة إلى واشنطن.

ما فاجأنى فى تصريحات البابا هذه المرة هو تخليه عن الموضوعية ــ بالمعنى العلمى وليس الأخلاقى ــ حيث قرر أن «غالبية الشعب يحبون جمال مبارك ويفضلونه على غيره إن وجد غيره» ولا أدرى أى شعب يقصد البابا شنودة، هل هو شعب الكنيسة، أم الشعب المصرى كله؟ ومن أين جاء البابا بهذا الحكم.

القاطع والجزم بأن الغالبية مع ابن الرئيس حتى يصبح رئيسا؟ هل نزل البابا إلى الشارع وسأل هذا الشعب فردا فردا عن رأيه فى مستقبل الرئاسة؟ هل لدى الكنيسة وحدة لقياسات الرأى العام أجرت استقصاء علميا انتهى إلى أن الغالبية مع جمال مبارك؟

والغريب أن البابا بعد أن يتحدث باسم الأغلبية معلنا تأييدها لجمال مبارك يعود ويقول «ولما ييجى الوقت المناسب أنا وباقى الأقباط سوف نقول رأينا» وكأن الادعاء بأن الغالبية «تفضله» ليس رأيا!

ولأن النكتة بالنكتة تذكر، فإن حديث أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى عن رفاهية الشعب المصرى الذى يسبح فى أنهار من اللبن والعسل، لا يبعد كثيرا عما جاء فى كلام البابا، فكلاهما يتحدث عن الغالبية بما ليس فيها، إذ يرى عز ما لا يراه ٨٠ مليون مصرى وهو أن «المصريين فى نعيم» بدليل أن أربعين مليونا منهم يعملون عبيدا فى وسية «الموبايل» رافعين شعار «تجوع الحرة ولا تتنازل عن الموبايل أو تتكلم أرضى»

ويرى عز أن من علامات الرفاهية والعز أيضا ارتفاع نسبة السيارات الفارهة فى الشارع المصرى وصعود معدلات استيراد السيارات، ويبدو أن عز لا يرى من الشعب المصرى إلا من أسعدهم زمانهم وانضموا إلى لجنة السياسات، ومن لم يستطع التحق بحديد عز عضوا فى حزب «السيخ».

وأتصور لو أن مواطنا أمريكيا أو فرنسيا سمع كلام عز وتعامل معه على أنه حقيقة، فلن يفكر طويلا قبل أن يصفى كل ارتباطاته فى بلده ويتقدم للحصول على الجنسية المصرية والانتقال فورا إلى مصر لمشاطرة شعبها الرفاهية والنعيم والاستمتاع بفقرات عز.

إلا أن أكثر ما سيصاب به المنتقل للعيش فى رغد مصر هو الاكتئاب من جرأة البعض على التحدث باسمه والإدلاء بصوته فى انتخابات لا تعنيه ولم يذهب إليها، حتى وإن كانت الحجة أنهم لا يريدون إخراجه من جنة عز وإزعاجه بمثل هذه الأشياء التافهة.

وائل قنديل / الشروق / 30 / 7 / 2009

الأربعاء، 29 يوليو 2009

د. سعيد اللاوندى يكتب: «الثورة المُضادة» والانقلاب على عبدالناصر

ليس سراً أن ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ بقيادة عبدالناصر، تتعرض منذ سنوات، وتحديداً منذ جلس أنور السادات على مقعد الرئاسة، لانقلاب يستهدف شخص عبدالناصر - بالدرجة الأولى - وأيضاً معظم إنجازات هذه الثورة البيضاء.

ولقد كشف هذا الانقلاب مُفكر مصرى كبير «هو الدكتور غالى شكرى»، عبر أطروحة للدكتوراه تقدم بها فى باريس فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى، وكانت تحت إشراف شيخ المستشرقين الفرنسيين جاك بيرك، الذى عاش فى مصر فى زمن عبدالناصر وعمل فى جامعاتها وكان عضواً فى المجمع اللغوى المصرى، الأطروحة بعنوان: «الثورة المضادة فى مصر» ولصاحبها الفضل كأول من وضع يده - فعلاً لا قولاً - على الخطوات المنظمة التى وضعها الرئيس السادات لكى يمحو عبدالناصر من ذاكرة المصريين!

فتذكر الأطروحة أنه لم يكن من قبيل المصادفة أن تتفجر - جدلاً ونقاشاً عميقاً - قضايا تشكك فى جدوى مشروع بناء السد العالى وتحمله مسؤولية «البوار الزراعى» الذى تعانيه مصر فى العقدين الأخيرين! كما شغلت الناس - عن عمد - قضية حرب اليمن ومشاركة مصر فيها «جنداً وعتاداً».. واتجه المخطط أيضاً إلى الاستخفاف بواحد من أهم إنجازات عبدالناصر وهو مجانية التعليم، والصحة والرعاية!

أقول إن هذه الأطروحة التى حصل صاحبها على تقدير امتياز وتمت طباعتها وتبادلها مع الجامعات الفرنسية والأوروبية، قد فضحت هذه الثورة المضادة فى وقت مبكر، لكنها كانت مؤشراً نحو تنامى هذه الروح المعادية لكل المكتسبات التى حصلت عليها الطبقة المتوسطة المصرية، وطبقة الفقراء والمعدمين التى كانت الفائز الأكبر طوال حكم عبدالناصر، ونستطيع أن نقول إن الثورة المضادة لثورة يوليو ١٩٥٢ تشرنقت لبعض الوقت ثم خرجت علينا فى صور جديدة، وكلنا يعلم أن عودة الملك فاروق: كتبا، ودراما، وتليفزيونا، وسينما، لم تأت من فراغ، وإنما جاءت مع سبق الإصرار والترصد، وما الكتابة عنه بهذه الرومانسية والنوستالجية «أى الشعور الغامر بالحنين إليه» إلا إحدى شباك هذا المخطط..

إلى حد أن المواطن العادى طرح السؤال: إذا كان المليك الغالى «فاروق» بهذه الدرجة من الوعى السياسى، والحس الوطنى اللامحدود، والعشق الخالص لمصر «أرضاً وشعباً وسماءً» فلماذا قامت ثورة يوليو من الأساس، وغاب عن بال هؤلاء المشاركين فى جريمة «الثورة المضادة» أن النظام المصرى «من زمن السادات وحتى اليوم» يستمد شرعيته الأولى من ثورة يوليو وقائدها، ولم لا، ألم يخرج من عباءتها وملأ الدنيا ضجيجاً بمبادئها وشعاراتها، وإلا ما معنى أن الرئيس السادات كان لا يمل من تكرار عبارته التى كان يقول فيها: «إننى كنت شريكا فعلياً فى كل القرارات التى اتخذها عبدالناصر»، وكان يصر الرئيس السادات على أن يقرن اسم عبدالناصر بدعاء شهير هو: الله يرحمه!!

وشملت هذه الحملة ضد عبدالناصر والثورة إلى جانب إيقاظ الملك الوسيم فاروق حديثاً تشكيلياً عن حرب ٤٨، وصفقة الأسلحة الفاسدة.. إذ ذهب أصحاب الثورة المضادة إلى أن الأسلحة كانت سليمة والفساد كان فى الأشخاص وليس فى العتاد «مع التلميح فى شىء من خبث إلى قيادات الثورة المصرية!».

وعندما شعر المتآمرون على الثورة أن يقظة فاروق لم تكن أكثر من رصاصة طائشة فى الهواء لم تنزعج منها حتى الطيور الغافية على الأشجار، لحقت بمحاولات عابثة سابقة لمحو عبدالناصر من الضمير المصرى الحق، تميزت قلوبهم غيظاً وتفتقت أذهانهم عن محاولة عابثة أخرى هى الحديث كثيراً وكثيفاً عن اللواء محمد نجيب واصفين إياه بأنه المفجر الحقيقى للثورة المصرية إلى حد أن التليفزيون الرسمى المصرى «القناة الأولى وقناة النيل للأخبار» عرض مثنى وثلاث ورباع، قراءة - وتعليقا على الصور الأرشيفية - تتحدث فقط عن محمد نجيب.. ولا وجود لعبدالناصر ورفاقه!

الغريب والعجيب أن خيوط هذه المؤامرة على ثورة يوليو من خلال هذه الثورة المضادة تتداخل وتتلامس، وتتشابك فى اتجاهات عديدة بهدف واحد هو القضاء على عبدالناصر.. وهيهات أن يتحقق لهم ذلك، ففيلم السادات الذى أشرفت على كتابة السيناريو له السيدة جيهان السادات بنفسها - حسبما اعترفت فى حواراتها - والذى ظهر فيه عبدالناصر وكأنه مجرد كومبارس ردىء! لم ينجح فى أن يجعل الناس تنسى فيلم ناصر ٥٦، بل وأن تبكى أمام بعض المشاهد التى جسدت حب وصدق ونزاهة هذا الزعيم المصرى الخالد.

وعمل متحف كبير للسادات فى القرية الفرعونية وآخر إلكترونى فى مكتبة الإسكندرية، دفع الناس دفعاً للتزاحم داخل متحف صغير ومتواضع لعبدالناصر فى ذات القرية، لكنه كبير وعظيم بحب كل المصريين.

خلاصة: إن مثقفنا وناقدنا الكبير صاحب الأطروحة لفت الأنظار بقوة - قبل ما يقرب من ثلاثين عاماً - نحو الثورة المضادة لعبدالناصر وثورته وإنجازاته العريضة.. وها نحن اليوم نقر ونعترف بشيئين:

الأول: أن صاحب الأطروحة كانت على حق عندما فضح المستور، ووجه سبابته نحو المتآمرين الذين تكاثروا وأصبحوا كغثاء السيل اليوم.

الثانى: أن عبدالناصر أكبر وأعظم من أن تناله هذه الرصاصات الحاقدة والطائشة لسبب بسيط هو أنه يسكن قلوب أهل مصر الطيبين «من فقراء ومعدمين»، وتحمله الصبايا مع الجرار على رؤوسهن فى ريف مصر.. وتلهج ألسنة الآلاف من المرضى بالدعاء له فى صمت، وهم يقفون مطأطئى الرأس أمام بوابات المستشفيات الاستثمارية التى تعتبرهم جرذاناً وصراصير.. «بعد أن اندثرت المستشفيات المجانية».. أما الأطفال الصغار فعبثاً يغرسون عيونهم فى كراسة المطالعة بحثاً عن كلمة عبدالناصر الشهيرة: كلنا سيد فى ظل الجمهورية!!

المصرى اليوم 29 / 7 / 2009

ماذا تبقى من نظام عبدالناصر والسادات ومبارك؟


منذ سنوات يتردد سؤال أساسى كلما هلت ذكرى ثورة يوليو، وهو: ماذا تبقى من الثورة؟ وبعدها ينطلق من يطرح السؤال للإجابة عنه، كل حسب انتمائه السياسى، أو هواه الشخصى، ومن له رؤية مستقلة ومن قرأ ودرس وبحث فعلاً، ومن كل حصيلته قراءة بعض مقالات لهذا أو ذاك، ولم ينتبه أحد إلى أن السؤال من أساسه خاطئ، وبالتالى إجاباته سوف ينالها قدر من الخطأ، لأننا نقيم نظاماً واحداً نتج عن الثورة، بينما الواقع أن هناك ثلاثة أنظمة أفرزتها، نظام الزعيم خالد الذكر جمال عبدالناصر، ونظامى الرئيسين السادات -عليه رحمة الله- ومبارك، والأول يختلف تماماً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً عن الآخرين، اللذين يتشابهان فى الكثير.

وبالتالى فالمنطق يقول إن من الضرورى مراعاة هذا الاختلاف، حتى لا نظلم نظاماً بأن نحمله أخطاء غيره، مثلما ظلم البعض الكثير من زعامات وطنية قبل الثورة، عندما نظروا إلى مرحلتها وكأنها شىء واحد، فلم يفرقوا بين الزعيمين خالدى الذكر سعد زغلول ومصطفى النحاس، وحزب الوفد، وبين فساد وديكتاتورية القصر الملكى والملك فؤاد وابنه فاروق وأحزاب الأقليات وقياداتها العميلة للقصر، بل ظلمنا البعض من قيادات أحزاب الأقليات كانت لهم أدوار وطنية، والغريب فى الأمر أن بعض قيادات الوفد حالياً يتحدثون عن فترة ما قبل الثورة وكأنها واحدة دون أن يفرقوا بين مكوناتها، الوفد صاحب الأغلبية، والقصر، والأقليات، وحملوا أنفسهم أوزارها رغم أن الحزب كان بعيداً عنها، وأصبحت تسعدهم جداً أى هجمات ضد الثورة حتى وإن كانت تنطوى على إساءة لتاريخ حزبهم وقياداته.

ومن أعجب وأجرأ الكتابات ما أتحفتنا به الطبيبة لميس جابر التى قفزت لتكون مؤرخة لما قبل الثورة، وبعدها قدمت وثائق ومعلومات لم يسبق لمؤرخ مصرى أو أجنبى للعهدين أن عرف عنها، فمثلاً اكتشفت أن الإخوان المسلمين هم الذين اغتالوا مؤسس جماعتهم وأول مرشد لهم وهو حسن البنا، وهم الذين حاولوا اغتيال الزعيم خالد الذكر مصطفى النحاس، إذ قالت ذلك بالنص فى جريدة «روزا» فى ١٨ أكتوبر ٢٠٠٧.

أى أن كل المؤرخين كذبوا عندما أكدوا أن محاولات اغتيال النحاس من تدبير الملك فاروق بواسطة تنظيمه الحرس الحديدى، وأن صديقنا المرحوم فؤاد سراج الدين وصديقنا المرحوم إبراهيم فرج كذبا فى ذكرياتهما السياسية التى أعددتهما وصدرا فى كتابين، لا علىّ فقط، وإنما على الدنيا كلها باتهام الملك الإخوان الذين اغتالوا البنا أيضاً بقولها بالنص: «والجريمة الأخيرة هى اغتيال حسن البنا وإن كنت أظن أنها من داخل الإخوان أنفسهم بواسطة رئيس الجناح العسكرى للإخوان فى هذا الوقت».

أى أن «المحظورة» اغتالت مؤسسها وألصقت الحادث بالملك المظلوم فاروق. أما السر الآخر الذى كشفته بعد الثورة فجاء فى «الوفد» يوم الأربعاء الماضى.. وهى تتحدث عن شعار تحقيق العدالة الاجتماعية. إذ قالت بالنص: «أما العدالة الاجتماعية فقد تم تفصيلها على مقاس الضباط وعائلاتهم وقرايبهم وطبقت عليهم العدالة فعلاً لأنهم هم الشعب المقصود بالعدالة الاجتماعية وليس غيرهم».

ما هذا المستوى من الجرأة والأمانة؟! على العموم فهذا هو الجانب الفكاهى من موضوعنا.. أما الجاد منه فهو الذين يتجاهلون حقيقة أن الإطاحة بالملك فاروق، وإنهاء حكم الأسرة الملكية.. كان مطلباً شعبياً جماعياً بعد أن وصلت الأوضاع إلى طريق مسدود لأنه منذ أول وزارة منتخبة عام ١٩٢٤ برئاسة الزعيم خالد الذكر سعد زغلول باشا زعيم «الوفد» الممثل للأمة، والقصر الملكى من فؤاد، إلى ابنه فاروق وبمساعدة أحزاب الأقليات العميلة له مثل «الأحرار»، و«الدستوريين»، و«السعديين»، و«الكتلة الوفدية». وتلك التى ظهرت واختفت مثل «الاتحاد» و«الشعب».. سارت الأمور كالآتى:

انتخابات حرة يفوز فيها «الوفد» باكتساح. وبعد أشهر أو عام أو اثنين يعزله الملك.. وتتم انتخابات مزورة.. أو يقاطعها «الوفد» تأتى بعملائه من أحزاب الأقليات.. لدرجة أن «الوفد» بقيادة خالد الذكر مصطفى النحاس بحث مرتين فى وزارة ٤٢-١٩٤٤ ووزارة ٥٠-١٩٥٢ خططاً لعزل الملك. وتفاصيل إحداها تسلمها المرحوم محمود سليمان غنام إلا أنه لم يصدر بها قرار لأن «الوفد» تخوف من مساندة الجيش للملك. وأنا هنا أتحدث عن شهادة فؤاد سراج الدين وإبراهيم فرج وزير الشؤون البلدية فى آخر وزارة وسكرتير عام حزب «الوفد» الجديد بعد عودته فى ٤ فبراير سنة ١٩٧٨.. ولأنه لم يشأ أن يقوم بعمل ضد «الدستور».

وكانت المفاجأة أن الجيش الذى تخوف منه هو الذى أطاح بالملك، ولذلك ما إن أذيع النبأ حتى انفجر تأييد شعبى كاسح للثورة أو الحركة أو الانقلاب - اختر ما تشاء من أسماء ترضيك أو أنت مقتنع بها، وهذا الشعب هو أغلبية حزب «الوفد».. ولذلك كان من غير المتصور أن تقوم جماعة بهذه المخاطرة. وتنجح فيها وتفاجأ بالتأييد الشعبى الكاسح لها. ثم تسلم مقاليد الحكم لمن رفضوا أن يسبقوها بالعمل.. وباختصار فإن توحدا روحياً ووطنياً حدث بين الشعب والثورة.. وهذا سر شعبيتها حتى الآن .. هذا أولاً.

وثانياً: إن هذا التوحد حدث بين الأغلبية الشعبية وعبدالناصر، بعد أن تم حسم الصراع، وعزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية حدث بسبب تطبيق سياسات كانت مطالب هذه الأغلبية قبل الثورة.. وهى باختصار العدالة الاجتماعية التى تضمن لها حياة «كريمة» وآدمية وتؤمن لها ولأبنائها مستقبلهم، وتنتشلهم من الفقر المزرى الذى كانوا يعيشون فيه، وأفقدهم الإحساس بالكرامة..

حدثت أخطاء كبيرة وكوارث كبيرة وصغيرة؟ نعم ولم تكن هناك ديمقراطية سياسية قائمة على التعددية الحزبية الحقيقية؟ نعم، لكن أحدًا لا يمكن أن يتسرب الشك إلى نفسه، بأن نظامه كان معبرًا عن مصالح الأغلبية الفقيرة والمتوسطة، واتخذ كل ما من شأنه لتأمينها، وهذا ما لن تنساه له الأغلبية على تعاقب الأجيال ووراثة الأحياء للأموات، يكفى عمل واحد، وهو التأمينات الاجتماعية والمعاشات، وكيف حفظ لنا ولأبنائنا حياتنا وكرامتنا، بمن فينا من يهاجمونه ويتهمونه بتخريب الإنسان المصرى. ولم يحدث فى التاريخ أن تنكر شعب لثورة أنصفته، ولزعيم عبر عن طموحاته ونفذ منها ما استطاع بإخلاص حتى وإن فشل، ومرة أخرى لا يجب طرح سؤال: ماذا تبقى من ثورة يوليو؟ وإنما: ماذا أنجزت كل من رحلة عبدالناصر والسادات ومبارك لمصر وأغلبية شعبها؟

وفى العدد القادم نستأنف الحديث عن صراعات الأجنحة داخل النظام وبين أعضاء الحرس الجديد.

بقلم حسنين كروم المصرى اليوم ٢٩/ ٧/ ٢٠٠٩

لماذا لم يصل العرب إلى القمر؟!


شعرت بالغيظ والإحباط مرتين خلال الأسبوع الماضي: مرة لأن الأميركيين وصلوا إلى القمر منذ أربعين عاما ونجحوا في وضع إنسان على سطحه ولا يزال ذلك احتكارا أميركيا خالصا لم تصل له دولة أخرى، ومرة لأن عربيا واحدا لم يصل هناك حتى الآن، والمدهش أن أحدا لم يهتم بالقضية من الأصل. وقد شغلتني هذه القضية خلال الأسبوع من أكثر من زاوية،

فما زلت أتذكر تلك الأيام عندما بدأنا في متابعة أخبار السفينة «أبوللو 11» منذ يوم 16 يوليو 1969 حينما أطلقت إلى أجواز الفضاء وحتى يوم 20 من الشهر عندما هبط نيل أرمسترونج على أرض القمر في «خطوة صغيرة للإنسان ولكنها قفزة عملاقة للإنسانية». أيامها لم يُثِر الأمر اهتماما عربيا من زاوية الإنجاز العلمي والتكنولوجي، أو حتى الشجاعة الإنسانية لجماعة ـ نيل أرمسترونج، ومايكل كولنز، وإدوين يوجين ألدرين ـ وصلت إلى ما لم يصله إنسان من قبل، وليس على كوكب الأرض هذه المرة، بل إنه على «قمر» خارج نطاق الكرة الأرضية وفي أولى البوابات لِما بات معروفا الآن باسم «الفضاء» والذي لم يكن فضاء قط في زمن من الأزمان.

وكان الاهتمام العربي ساعتها منصبًّا على من سوف يصل إلى القمر أولا وهل هو الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، حيث كان الهوى العربي ساعتها مع موسكو لتأييدها للقضايا العربية أحيانا، ولأنها اشتراكية أحيانا أخرى، ولأنها ضد الولايات المتحدة في كل الأحيان.

لم يفكر أحد من العرب ساعتها لماذا لا نكون نحن في هذا السباق، وكان الحماس للاتحاد السوفيتي كما هو الحال الآن في الحماس للصين، على الأقل حتى الأسابيع الأخيرة عندما اصطدمت الحكومة الصينية مع الأقلية المسلمة، فبعد أن استبعدت الدول والشعوب العربية نفسها من السباق فإنها صممت سباقا خاصا مريحا للغاية، ولا يتعب ولا يكلف الكثير، وهو تأييد الدول الأخرى لكي تسبق الغرب أو الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أيا كانت المسميات.

وكانت موسكو قد نجحت من قبل في الخروج خارج مدار الكرة الأرضية قبل واشنطن، وما زلت أتذكر كيف وزعنا في المدارس صورة ججارين ـ أول رائد فضاء سوفيتي أو من بني البشر يخرج خارج المدار ـ بعضها على بعض. ولكنها وقد بدأ البرنامج الأميركي يأخذ مجراه، وطالب الرئيس الأميركي جون كنيدي علماء بلاده ورواد صناعتها في 25 مايو 1961 بالوصول إلى القمر قبل عقد من الزمن، فإن تحقيق الأمنية في 20 يوليو 1969 جعل السوفيت يسابقون الزمن لكي تصل لهم مركبة إلى القمر دون إنسان وتعود منه ببضعة أحجار. وهكذا حصل بعض العرب على مباراتهم الموعودة، وجرى الحديث عن المركبة التي ستصل إلى القمر أولا، وأيهما أكثر قيمة ومعجزة علمية، أن يتم ذلك بالبشر أو بدونهم. ووصل الأميركيون إلى القمر أولا وعادوا منه بمجموعة من الأحجار،

وزعوها على قادة العالم بما فيهم قادة الدول العربية، ونسي الناس ما جرى للمركبة السوفيتية، ولم يمضِ عقدان بعد ذلك حتى انهار الاتحاد السوفيتي نفسه ليس لأنه هُزم في السباق إلى الفضاء فيما عُرف بعد ذلك بتكنولوجيا حرب النجوم، ولكنه بات مهتما بالأيدلوجيات أكثر من التكنولوجيات، أو لأن الدولة شاخت، ومعها ضمن ما شاخ البحث العلمي والتكنولوجي، أو لأن العلم لم تعد له قيمة كبيرة في دولة يحكمها حزب واحد تآكل وتفكك وأصبح جاهزا للانهيار.

ولكن العرب ـ على أية حال ـ وصلوا إلى الفضاء على طريقتهم الخاصة، حيث شاع بينهم أن نيل أرمسترونج نفسه قد أسلم بعدما سمع أذان الصلاة على أرض القمر، وما دام رائد الفضاء الأول إلى القمر قد دخل دين الإسلام فقد أصبح واحدا منا تماما كما حدث بعد ذلك لمايكل جاكسون وآخرين جرت لهم الإحالة لمجد عربي وإسلامي تليد. المهم أن أحدا لم يهتم في تلك المرحلة عما إذا كان رائدا الفضاء الآخران ـ مايكل كولنز وإدوين ألدرين ـ قد استمعا إلى الأذان أم لا وهل دخلا إلى دين الإسلام أم استمرا على الطريق الخطأ. ولأن القصة لم يجرِ تأييدها من مصادر أخرى، أو من مصدر موثوق به،

فقد بحث العرب عن طريق آخر للوصول إلى قمر، ودون بناء المركبات الفضائية، وإعداد رواد الفضاء، وتحقيق التقدم العلمي والصناعي اللازم، تجمع العرب على شراء قمر صناعي يبثون منه أحلام الوحدة المفقودة وصار اسمه «أربسات»، وفي وقت من الأوقات كان الحماس للقمر قد وصل إلى تجسيد فكرة القومية العربية في أنقى معانيها. ولكن الحماس سرعان ما ولّى وغاب، وذهبت كل دولة عربية لكي تشتري قمرها الخاص، أو تحصل على مساحات أو قنوات على أقمار دول وجماعات أخرى، ولما كان العصر قد وصل إلى التليفون المحمول، وإلى الفضائيات التلفزيونية، كان العرب قد وجدوا في الفضاء والفضائيات ضالتهم المفقودة، وهي الحصول على تكنولوجيات جديدة أنتجها آخرون ولكنها توفر قدرات هائلة لمزيد من الكلام حول الهوان والتخلف العربي.

وبعد أن كانت الصحف والمجلات الورقية وحدها هي التي تتحدث عن الزمن العربي الرديء والرمادي والحزين والمظلم، فإنها أصبحت موجودة في صحبة 500 محطة فضائية تنطق باللغة العربية وتوزع مدحها وقدحها ذات اليمين واليسار في ساعات ممتدة على مدى النهار والليل، ولكن أحدا فيها لم يسأل أبدا لماذا وصلوا إلى القمر، ولماذا نجح آخرون في صناعة الأقمار الصناعية، ولماذا فشلنا نحن في تحقيق هذا أو ذاك، وكيف تواتينا الشجاعة بعد ذلك لكي نتحدث وكأننا نحن المظلومون في هذا العصر؟!

لديّ نظرية سوف أعرضها على القراء الكرام، والنظرية مثل كل النظريات تقوم على مجموعة من الافتراضات، وهي في حد ذاتها لا تكون خطأ أو صوابا، وإنما تخضع الافتراضات القائمة عليها لأساليب البرهنة والدحض.

وهذه النظرية تقول إن العرب لم يصلوا قط، ولن يصلوا أبدا، إلى القمر لأن جوهر التفكير العربي يقوم على البحث عن «اليقين» و«الكمال» في الحقيقة المادية والإنسانية، بينما جوهر الفكر العلمي والصناعي والتكنولوجي يقوم على «الشك» وأن هناك مشكلة ما قائمة في جوهر الأشياء، وأن أمرا ناقصا دائما في تكوين المادة والحياة، وسد النقص هذا هو جوهر البحث العلمي، والوصول إلى المجهول، واستكشاف غير المعلوم. العرب بهذا المعنى يبحثون عما هو مطلق، والآخرون الذين وصلوا أو يحاولون الوصول إلى القمر يبحثون عما هو نسبي، الحقيقة لدى العرب ثابتة، بينما هي لدى الآخرين متحركة. لاحظ هنا كمّ الحديث عن «الثوابت» في الفضائيات العربية مقابل الحديث عن «المتغيرات» في الفضائيات الخارجية،

ولو شاهدت أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري، أو كثرة من الإسلاميين والقوميين العرب والناصريين والبعثيين واليساريين في منطقتنا سوف تجد تلك الهالة من الاطمئنان للوصول إلى الحقيقة المقدسة.

وفي واحد من الكتب لا أتذكره قرأت ذات مرة واحدا من أسباب انهيار الحضارة الفرعونية التي كانت ممتدة على مدى ثلاثة آلاف عام حتى جاء التجار والفلاسفة اليونانيون الذين كانوا منبهرين بالحضارة المصرية القديمة وما أنجزته في مجالات العمارة والفلك والحساب وحتى الدين إلى الدرجة التي جعلت الإسكندر الأكبر يذهب إلى واحة سيوة لكي يقدم الطاعة ويتعمد في المعبد المصري.

ولكن مصر وقتها لم تعد كما كانت، بل كانت جاهزة للغزو الفارسي والهيليني، ومن بعده الروماني، ورجع ذلك إلى أن كهنة آمون قد تجمدوا ووقف يقاومون التغيير، والبحث العلمي حتى نُقل عن واحد من كهنة الفراعنة قوله متهكما إن هؤلاء اليونانيين كالأطفال يسألون أسئلة كثيرة! وباختصار عندما تتوقف حضارة عن طرح الأسئلة، والشك في جدارة الواقع، ورؤية «الثوابت» كحقائق متغيرة بفعل التقدم العلمي والتكنولوجي،

فإنها في النهاية تفقد مبررات وجودها، وتصبح جاهزة للاختراق والغزو والفتح حتى من حضارات أدنى كان لديها القوة والعزم والتفوق العلمي. وما جرى للمصريين جرى للعرب بعد ذلك!

د. عبدالمنعم سعيد / الشرق الاوسط / 29 / 7 / 2009

الثلاثاء، 28 يوليو 2009

الغارديان البريطانية تتناول الصراع على الرئاسة ومصالح النخبة

تحت عنوان " صراع القمة في مصر"، تعد صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء تقريرا ً مثيرا ً ومطولا ً حول ما بدأ يتردد بشكل مكثف خلال الآونة الأخيرة من تكهنات وأحاديث حول المستقبل السياسي للبلاد، وتأكد الصحيفة على أن العراك الانتخابي الذي تتناثر حوله الشائعات خلال هذه الأثناء من المنتظر أن يتحول إلى صراع حقيقي بداخل الحزب الحاكم حول مدى القدرة على حماية مصالح النخبة في البلاد. وتقول الصحيفة في البداية أنه وبالرغم من أن الأجواء الحالية في البلاد تشير إلى أن الرئيس مبارك سيظل في منصبه حتى النهاية، إلا أن دقات طبول الخلافة الرئاسية بدأت تعلو بصورة متزايدة خلال الأسابيع الأخيرة.

ومضت الصحيفة إلى القول بأن الرئيس مبارك، الذي يبلغ من العمر الآن 81 عاماً، أصبح يغيب أكثر من أي وقت مضى عن مناحي القيادة اليومية للبلاد، وهو ما فتح الباب أمام تزايد موجة التكهنات الخاصة باحتمال حدوث تغيير وشيك في السلطة خلال الفترة المقبلة. ثم انتقلت الصحيفة لتشير إلى أنه وبرغم ترشيح الرئيس لنجله جمال في عام 2002 كي يصبح أميناً عاماً للجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وما عقب هذا الترشيح من موجات جدل حول اعتزام الرئيس تأهيل ابنه لخلافته في الحكم، إلا أن تلك الخطوة لم تكن الوحيدة التي أثارت التكهنات بشأن هذه الاحتمالية المستقبلية، فالشيء الأكثر أهمية، وفقا ً للصحيفة، هو أن تعيين جمال في هذا المنصب جاء ليعكس اتجاها أوسع في النطاق حول ذلك الأمر بداخل الحكومة، مع أفراد الحرس القديم الموجه على الصعيد المحلي والذي يخضع لهيمنة الجيش، والذي يفسح المجال تدريجيا ً لأحد الليبراليين الجدد من أصحاب الفكر التجاري، المتجسد في صورة جمال مبارك نفسه.

ثم أشارت الصحيفة إلى أن صعود هؤلاء الشبان إلى المناصب القيادية لعب دوراً في زيادة حدة المواجهة بين الحكومة والشعب في عام 2004، حينما قامت الحكومة الجديدة وقتها، والتي كانت تتكون في الأساس من أعضاء لجنة السياسات التي يترأسها جمال مبارك، في بدء سلسلة من "إصلاحات الأسواق الحرة" المثيرة للجدل، والتي لاقت استحسانا ً وإشادة من جانب صندوق النقد الدولي، لكنها تسببت في تعميق الهوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء في مصر، وأزادت من المشاعر المناهضة لمبارك. ثم أشارت الصحيفة إلى أن مهندسي التحول الاقتصادي للبلاد لم ينزعجوا كثيرا ً من المعارضة الداخلية لتلك الإصلاحات، في الوقت الذي كانت فيه الزمرة الشابة المثقفة دوليا ً أكثر اهتماما ً بالطريقة التي يُنظر بها إليهم في كل من لندن وواشنطن، وذلك أكثر مما يقوله الناس في أسيوط وطنطا.

ونوهت الصحيفة لما تشهده الساحة الآن من مستجدات، تدل على أن الصراع على الانتخابات الرئاسية المقبلة قد بدأ يتمحور بالفعل. فتشير إلى وجود مرشح آخر لا يقل في الأهمية عن جمال مبارك، هو اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة وأبرز المفاوضين المصريين في جهود الوساطة التي تبذلها مصر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. كما تتطرق الصحيفة إلى وجود نوع من الحرب الإعلامية المتعلقة بهذا الأمر، فتشير إلى أن هناك موقع إلكتروني مجهول يقدم تأييده لسليمان كي يتولى منصب الرئاسة، وقد نشر الشهر الماضي عبارات تقول ( لا لجمال.. ولا للإخوان ). وتحدثت الصحيفة أيضا ً عن عنصر التوقيت، مشيرة ً إلى ما زعمته صحيفة الشروق اليومية المصرية عن أن المكتب السياسي للحزب الوطني قد عقد اجتماعا ً من أجل اختيار مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة المقبلة، وقالت أن هذا الخبر تسبب في نشوب موجة من الإثارة فيما يتعلق بتنامي سباق حقيقي على الخلافة في مصر.
وقالت الصحيفة أنه وبالرغم من حالة الغموض التي تحيط بمصدر هذا الموقع الإلكتروني الداعم لسليمان، إلا أنه قد يكون بالون اختبار من جانب مستشاريه لمعرفة ردود الفعل الشعبية المحتملة إذا ما ترشح للانتخابات الرئاسية، أو قد يكون عملية تضليلية من جانب مساعدي جمال، أو قد يكون بالفعل عمل أحد المراهقين المهتمين بالإنترنت. لكن، وبغض النظر عن الجهة المسؤولة عنه، إلا أن مجموعات الشباب المؤيدة للحزب الوطني لم تفوت الفرصة، حيث ظهرت على شبكة التواصل الاجتماعي الأشهر حول العالم "فيس بوك" العديد من المجموعات الداعمة لانتخاب جمال رئيسا ً للبلاد، والتي كان من بينها مجموعتين هما " ترشيح جمال مبارك للرئاسة.. توسيع للحلم المصري" و "محبي وأنصار جمال مبارك". وهو ما رأته الصحيفة سببا ً وراء إقدام العديد من المنافذ الإخبارية العالمية مثل صحيفة التايمز الايرلندية للحديث عن تزايد فرص نشوب معركة حامية الوطيس لنيل هذا المنصب الرفيع.

كما تشير الصحيفة في جزئية أخرى إلى أنه وفي حالة موافقة النخبة الحاكمة بشكل مقصود على سليمان، فإن ذلك قد لا يعود إلى أن كثيرين من القيادات العليا في الحزب الوطني الحاكم يرون أن سليمان، 76 عاما ً، هو بالفعل الرئيس المستقبلي للبلاد. وإنما التفسير الأكثر عقلانية هنا هو أن الجيش – أقوى مؤسسة في مصر من الناحيتين السياسية والاقتصادية منذ ثورة عام 1952 – يستعرض قوته عن طريق دعمه لسليمان كبديل لخطة الخلافة الوراثية الخاصة بالرئيس مبارك، آملا ً في أن يكون ذلك تذكيرا ً لجمال بأنه لن يتمكن من تجريد الحرس القديم من امتيازاته الراسخة في حقبة ما بعد الرئيس مبارك.

كما انتقلت الصحيفة لتشير إلى أن ما تشهده الساحة السياسية في مصر من مستجدات تبين أن محور السلطة في القاهرة من النوع المتحرك وليس من النوع الثابت. فقد كان هناك تحولا ً أساسيا ً في السلطة على مدار العشرة أعوام الماضية من حقبة جنرالات الدولة إلى الاقتصاديين ورجال الأعمال المحيطين بجمال مبارك. لكن عندما يأتي الأمر لموضوع الرئاسة، يصبح مصدر القلق الوحيد لدى النخبة السياسية والاقتصادية في مصر – وهم الفئة التي تفر من وسط المدينة بحثا ً عن الأمان في المجتمعات التي يتم عزلها بواسطة بوابات في الصحراء مثل "دريم لاند" و "بيفرلي هيلز" – هو ضمان رخائهم المستقبلي، وفي تلك الجزئية، يبدو أن جمال هو الرهان الأسلم.

وفي النهاية، تنقل الصحيفة عن ديان سينغرمان، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة، التي أشارت إلى أن مصر عبارة عن بلد تدار لصالح النخبة، وأنها عبارة عن حلقة من الرأسماليين المستقرين في القاهرة ويحظون بدعم الدولة ويطلقون على أنفسهم الليبراليين أو المتعولمين أو أصحاب الفكر الديمقراطي لأنهم يسهلون عملية الاستثمار الأجنبي في المجال الاقتصادي، حتى في الوقت الذي يصرون فيه على القمع، وتمديد العمل بقانون الطوارئ، بالإضافة لممارسات الشرطة في المجال السياسي.

اعداد أشرف أبوجلالة من القاهرة / إيلاف 28 / 7 / 2009

الاثنين، 27 يوليو 2009

مراكز القوى تحييكم


أصدر اتحاد الأطباء العرب بيانا انتقد فيه التسريبات والتقارير الأمنية التى دأبت إحدى الصحف اليومية المصرية على نشرها طوال الشهر الأخير لتشويه صورة الأمين العام للاتحاد الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح (المحتجز حاليا)، والإساءة إلى الاتحاد الذى يضم عشرين نقابة عربية للأطباء.

ووصف البيان الذى نشرته صحيفة الدستور أمس الأول (السبت 25/7) تلك التقارير بأنها مذكرات تحريات (أعدتها أجهزة أمن الدولة) فضلا عن أنها من قبيل «الاتهامات المرسلة» التى اعتادت بعض الجهات توجيهها ضد أساتذة الجامعات والمهندسين والأطباء والمدرسين وغيرهم.

المعلومة يعرفها المشتغلون بالمهنة. وهم أكثر من لاحظ أن الاختراقات الأمنية لوسائل الإعلام أصبحت قاعدة تحتمل استثناءات محدودة للغاية. ذلك أنه كلما زادت سطوة الإعلام وقدرته على التأثير كلما حرصت الأجهزة الأمنية على توسيع نطاق انتشارها وإحكام قبضتها على مختلف منابر البث والتوجيه،

يعرف المشتغلون بالمهنة أيضا أن الالتحاق بأجهزة الأمن والتنسيق المستمر معها أصبح من شروط الترقى فى المهنة والصعود فى مراتبها. وهو ما أكدته تجارب عديدة أثبتت أن القرار الأمنى حاسم فى شغل المناصب القيادية فى وسائل الإعلام، المقروءة والمرئية والمسموعة.

لقد أدركت الأجهزة الأمنية أن الصحف القومية أصبح وجهها مكشوفا عند نشر التسريبات الأمنية. الأمر الذى يقلل من صدقية ما تنشره. لذلك فانها ركزت على اختراق الصحف «المستقلة»، التى تعطى لقرائها انطباعا بالحياد. وقد نجحت فى ذلك، الأمر الذى فتح أفقا جديدا أمام تلك الأجهزة. لكى توسع من نطاق حملاتها الإعلامية. بما يمهد أو يغطى أو يبرر ضرباتها الأمنية.

اللافت للنظر أنه فى الوقت الذى شنت فيه الأجهزة الأمنية حملتها بواسطة الإعلام لإدانة وشيطنة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، فإن بعض وسائل الإعلام تبنت حملة أخرى لتحسين صورة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وإثارة التعاطف معه، وقد برزت تلك الحملة بعد صدور الحكم بإعدامه وشريكه الضابط السابق بعد إدانتهما فى جريمة قتل المطربة سوزان تميم. إذ لجأت بعض الصحف إلى استعراض الأيادى البيضاء لرجل الأعمال الذى أسهم فى إعمار مصر، كما دغدغت مشاعر القراء بإجراء حوار مع أمه، تخللته إشارات إلى تدهور حالتها الصحية بسبب ما حل به. وإلى اللهفة على رؤيته ومشاعر الخوف والفزع التى سكنت فؤادها بعد تأييد الحكم بإعدامه، فى الوقت ذاته فإن بعض البرامج التليفزيونية استضافت نفرا من المحامين الذين ترافعوا عن الرجلين أمام الرأى العام،

وأرادوا إقناعنا بأنهما ظلما وأن آخرين ارتكبوا جريمة القتل. وأكملت إحدى الصحف الأسبوعية الصورة حين نشرت على صفحتها الأولى أن «نيابة دبى «فبركت» القضية ونزعت (من ملفها) 17 صفحة تضمنت أدلة البراءة». وهو كلام نقل على لسان محسن السكرى المتهم الثانى فى جريمة القتل من هذا الكلام أيضا، الذى أبرز على الصفحة الأولى قول السكرى إنه سمع أصواتا فى شقة سوزان تميم وإن هناك بصمات مجهولة (لآخرين) على جثتها.

ليس سرا أن هذه الحملة المنظمة ليست لوجه الله، ولا هى لخدمة العدالة، ولكنها مدفوعة الأجر، ولها مقابلها الذى لا نعرف قيمته أو طبيعته. وإن المقصود بها هو التأثير على قضاة محكمة النقض التى أحيلت إليها القضية، والتأثير على الرأى العام سواء لممارسة ضغط على المحكمة، أو لتهيئته لاستقبال أى تراجع عن الإعدام.

ما يهمنا فى الموضوع أن الإعلام صار الساحة التى تلجأ إليها مراكز القوى فى البلد: السلطة بنفوذها لشيطنة من تريد، ورجال الأعمال بأموالهم للتستر على أفعالهم وتبريرها. وفى الحالتين فإن الإعلام تنتهك براءته، ولا يصبح وسيلة للإخبار والتنوير،

وإنما يتحول على أيدى هؤلاء بوقا للتضليل والتدليس، ويصبح الضحية هو القارئ والحقيقة، الأمر الذى يحول الإعلام فى هذه الحالة إلى نقمة وليس نعمة، لا تخفف من البلوى فيها سوى الأطباق اللاقطة، التى تسمح لنا بأن تتحول إلى منابر أخرى، نتحرى فيها الحقيقة، أو نتلهى بأمور أخرى تنسينا ما نحن فيه.

فهمى هويدى / الشروق / 27 / 7 / 2009

الأحد، 26 يوليو 2009

"نور" يتفوق على "جمال" فى استطلاعات الرأى



أعلنت اليوم، الثلاثاء، الناشطة الحقوقية داليا زيادة، نتائج المسح الثانى للاستفتاء الشعبى حول "من يريده المصريون أن يحكم مصر بعد مبارك"، وقد أسفر الاستفتاء عن فوز الدكتور أيمن نور زعيم حزب الغد بالمركز الأول بنسبة 24%، تلاه فى المركز الثانى جمال مبارك رئيس لجنة السياسات فى الحزب الوطنى بنسبة 21%.

فى المركز الثالث جاء كل من الدكتور عصام العريان ممثلا لجماعة الإخوان المسلمين، وحمدين صباحى رئيس حزب الكرامة تحت التأسيس بنسبة 17% لكل منهما.

حصل نائب رئيس محكمة النقض سابقاً، المستشار هشام البسطويسى على تأييد بنسبة 5%، وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية على 4%، وعمر سليمان رئيس جهاز المخابرات على 4 %، بينما حصل أحمد زويل والمستشار العلمى للرئيس الأمريكى أوباما على 3%، ومحمد البرادعى مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية على 3%، وأخيرا جورج إسحاق ومنسق حركة كفاية سابقاً على 2% فقط من إجمالى الأصوات التى شاركت فى الاستفتاء.

يذكر أن أغلب الذين اختاروا الدكتور أيمن نور فى المركز الأول، عللوا اختيارهم بأنه مازال شاباً يحمل معه الأمل فى "كسر تابوه الحاكم الخالد" ولكونه ليبرالى، وبعضهم اختاره من باب التعاطف مع محنة السجن الأخيرة التى تعرض لها بعد ترشحه فى الانتخابات الرئاسية 2005، بينما نسبة ضئيلة جدا منهم فسرت اختيارها بناء على برنامجه الانتخابى الذى طرحه فى الانتخابات الرئاسية الماضية.

نيرمين عبدالظاهر اليوم السابع 21 / 7 / 2009

السبت، 25 يوليو 2009

عمر سليمان الأول ورئيس المخابرات السعودي الخامس

أعدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية قائمة بأهم خمسة رؤساء مخابرات في الشرق الأوسط حيث تربع رئيس المخابرات العامة المصرية الجنرال عمر سليمان قمة القائمة ليحصل علي المرتبة الأولي لقائمة أهم 5 رؤساء مخابرات في المنطقة يليه في المرتبة الثانية رئيس الاستخبارات الإسرائيلية « جهاز الموساد» مائير داجان ثم رئيس جهاز الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني ثم مدير الاستخبارات العسكرية السورية ليأتي مدير المخابرات السعودية في ذيل القائمة.

وبررت المجلة في اختيارها سليمان ليترأس القائمة بأنه واحد من أهم وأكثر رؤساء الاستخبارات نفوذًا، واستطاع في أقل من عقد أن يكون أحد أقوي المرشحين لرئاسة مصر خلًفا للرئيس الحالي حسني مبارك، وقالت المجلة إن سليمان الذي وصفته صحيفة « دايلي تليجراف » البريطانية بأنه من أقوي وأهم رؤساء مخابرات في العالم «نشأ في مدينة بجنوب مصر سيطر عليها في وقت من الأوقات الإسلاميون المتطرفون،
لكنه اختار أن يسلك المسار العسكري وتفوق أكاديمياً وحصد العديد من الشهادات في التعليم العسكري في مصر وفي الخارج، ثم تحول بعد ذلك للاستخبارات العسكرية، وأضافت «فورين بوليسي» أن الاختيار وقع علي الجنرال عمر سليمان مديراً للمخابرات العامة المصرية عام 1993 في وقت كانت مصر مازالت تعاني فيه مواجهة شرسة مع الأصوليين المتطرفين وهجماتهم الإرهابية ضد مواقع سياحية واستراتيجية مهمة. كما أكدت المجلة في أسبابها لاختيار سليمان لترأس المرتبة الأولي، أنه لعب دورًا مهماً للغاية في عام 1995 في إنقاذ الرئيس المصري من محاولة اغتياله في أديس أبابا عندما أصر علي اصطحاب الرئيس مبارك لسيارة مصفحة مما أدي إلي إنقاذ الرئيس بالفعل من محاولة اغتيال مدبرة ، كما ساهم سليمان في تفكيك معظم الخلايا الإرهابية وسحقها في التسعينيات ، مما أدي إلي تزايد شعبيته لدي الغرب.

وقالت المجلة إن نفوذ الجنرال سليمان ينبع من ولائه للرئيس مبارك، ونقلت المجلة تصريحًا عن مسئول سابق بالاستخبارات الإسرائيلية لصحيفة هاآرتس قوله إن من إحدي مهام الجنرال سليمان هي الدفاع عن النظام وعن الرئيس مبارك، كما أبرزت المجلة الدور الدبلوماسي المهم الذي يلعبه الجنرال وتجوله الدائم في المنطقة كمبعوث شخصي لمبارك ولعبه دورًا قويًا في المفاوضات الشائكة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ووساطته بينهم من جهة، وبين الفصائل الفلسطينية من جهة أخري.

من ناحية أخري، جاء رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي مائير داجان في المرتبة الثانية للقائمة كواحد من أقوي رؤساء الاستخبارات في الشرق الأوسط ، وقالت المجلة إن داجان قضي معظم حياته في العمليات العسكرية وليس الاستخباراتية، وولد في الاتحاد السوفيتي عام 1945 ، وخدم في قوات المظلات وشارك في حرب 67 ضد مصر ، وعمل في وحدات خاصة خلال السبعينيات، وشارك في حرب لبنان عام 1982، كما أشارت المجلة إلي استفادة داجان من علاقته المقربة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق آرييل شارون، حيث تمت ترقيته خلال تولي شارون منصب رئيس الوزراء حتي وصل إلي رئاسة الموساد عام 2002.

فيما جاء رئيس فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في المركز الثالث، حيث وصفته المجلة بأنه من أقوي رجال إيران العسكريين ،وأنه لم يكن معروفًا حتي توليه منصبه الحالي، وأنه رئيس الوحدة المسئولة عن دعم حلفاء إيران في المنطقة والخارج، وأنه شارك في الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، وحاز علي إعجاب الرئيس الإيراني السابق علي أكبر هاشمي رافسنجاني الذي قام بدوره بتعيين ذلك الشاب آنذاك بالحرس الثوري بعد حرب إيران ضد العراق.

وأشارت المجلة إلي أن القادة العسكريين الأمريكيين بالعراق اتهموا سليماني وفيلق القدس بتمرير أسلحة متطورة للميليشيات العراقية ووصفه بأنه أحد داعمي الإرهاب من قبل الخارجية الأمريكية عام 2007. كما قام بزيارة للبصرة بالعراق في بداية 2008 للوساطة بين الميليشيات العراقية والقوات الحكومية لوقف إطلاق النار، وهو ما يشير إلي نفوذه وسط الدوائر الشيعية بالعراق.

وأضافت المجلة أن نفوذ سليماني يتجلي فيه الدور الأساسي الذي يلعبه في تشكيل سياسة إيران الخارجية نظرًا لإشرافه علي استراتيجية إيران الإقليمية وعلاقته المقربة بالقيادة العليا في طهران، وبمرشد الثورة آية الله خامنئي. بينما جاء رئيس الاستخبارات العسكرية السورية السابق آصف شوكت ونائب رئيس الأركان بالجيش السوري الحالي في المرتبة الرابعة، وقالت المجلة إن آصف الذي ولد في مدينة طرطوس السورية وخدم بالجيش السوري بالتزامن مع دراسته للتاريخ، وتزوج من ابنة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ، وتم تعيينه رئيسًا للمخابرات في فبراير 2005 من قبل الأسد الابن وهو نفس الشهر الذي تم فيه اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري وتزايد الشكوك حول ضلوعه في الاغتيال.

أما المرتبة الأخيرة في القائمة، فحصل عليها مدير المخابرات العامة السعودية أصغر ابن في العائلة المالكة السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز، الذي ولد عام 1945 ودرس بالخارج، وخدم في القوات الجوية الملكية السعودية وعين أميرا لعدة مناطق بالسعودية وعلي رأسها المدينة المنورة، وتم تعيينه رئيسًا للاستخبارات بالرغم من قلة خبرته خلفًا لسابقيه ومن ضمنهم الأمير تركي بن فيصل.

محمد عبدالسلام رضوان / الدستور 25 / 7 / 2009

الإيكونومست: العالم العربى يصحو من غفوته



"ثمة ثورة هادئة بدأت فى العالم العربى ستكتمل فقط عندما يتم حجب الثقة عن آخر الديكتاتوريات الفاشلة" بهذه العبارة، بدأت مجلة الإيكونومست البريطانية تعليقها على تقرير التنمية البشرية فى العالم العربى والذى صدر الأسبوع الماضى لخامس مرة فى سلسلة من التقارير القاسية عن حال العالم العربى، كما وصفته المجلة.

ويقدم هذا التقرير قراءة مخيبة للآمال؛ فالعرب الذين تميزوا بالديناميكية والابتكار وطالما افتخروا بتاريخهم الذى تضمن مساهمات فى الثقافة والفن والعلوم وفى الدين بالتأكيد، إلا أنه من ناحية أخرى، فإن الدول العربية الحديثة كانت مؤثرة أساساً بسبب سجل هذه الدول الدائم من الفشل.

فبدايةً، فشلت الدول العربية فى تحرير شعوبها: فهناك 6 دول عربية تحظر الأحزاب السياسية، والدول الأخرى تضع قيودا عليها بشكل ماكر وفشلت الدول العربية فى تحقيق الثراء لشعوبها: فعلى الرغم من وجود النفط إلا أن الأمم المتحدة تقول إن هناك اثنين من كل خمسة أشخاص فى العالم العربى يعيشون بدولارين أو أقل يومياً.

وفشلت الدول العربية فى توفير الأمان لشعوبها: حيث يشير تقرير التنمية البشرية إلى أن قوات الأمن الداخلية المتمتعة بالقوة المفرطة غالبا ما تتحول فى الدول العربية إلى خطر على شعوبها.. كما أن هذه الدول على وشك أن تسبب الفشل لشبابها، حيث يشير التقرير الإنمائى إلى أن العالم العربى يجب أن يوفر 50 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020 لاستيعاب قوى العمل المتزايدة من الشباب.

واعتادت الحكومات العربية الالتفاف حول الانتقادات التى توجه لها، فكان عليها أن تتحمل الكثير من هذا الانتقاد عندما كان جورج بوش رئيساً وألقى المحافظون الجدد فى الولايات المتحدة بمسئولية صعود تنظيم القاعدة على نقص الديمقراطية فى العالم العربى، والممارسة الطويلة جعلت الحكام العرب ذوى خبرة فى تفسير فشلهم بعيداً عن الواقع؛ فهم يشيرون إلى ثقافتهم ويقولون إنها غير متناسبة مع الأشكال الغربية من الديمقراطية، أو يشيرون إلى تاريخهم، ويقولون إنه كان بإمكانهم أن يكونوا أفضل لولا التدخل الاستعمارى والصهيونى والحرب الباردة.

بعض هذه الأمور لا يمكن إنكارها: فقد يكون هناك ما يبرر القول بأن الإسلام يعقد الديمقراطية، على حد تعبير الصحيفة، غير أن النفط وإسرائيل والتنافس بين أمريكا والاتحاد السوفيتى قد أدى إلى أن العالم العربى لم يكن أمامه فرصة لتحديد مصيره بعد انتهاء فترة الاستعمار.

كما أن العرب عصف بهم فى الآونة الأخيرة الغزو الأمريكى للعراق، والآن يجد العرب أنفسهم محصورين بين أمريكا وإيران اللتين تتنافسان على الهيمنة الإقليمية.

إلا أن الإيكونومست ترى أنه على الرغم من ذلك، فإن الإسلام لم يمنع إرساء الديمقراطية فى الدول الإسلامية فى آسيا؛ ففى إيران، وحتى بعد الانتخابات الرئاسية فيها التى شهدت جدالاً كبيراً، فإن النظام الحاكم الذى يفترض أنه دينى أظهر حيوية ديمقراطية أكبر من أغلب الدول العربية.

أما بالنسبة للتدخل الخارجى، فإن بعض أقوى الانتخابات التى جرت فى الدول العربية خلال السنوات الأخيرة كانت الانتخابات الفلسطينية التى جرت تحت الاحتلال الإسرائيلى والانتخابات التى شهدتها العراق بعد الغزو الأمريكى.

وعندما تم منحهم فرصة المشاركة فى انتخابات نزيهة، مؤخراً، فإن اللبنانيين لم يجدوا أى صعوبة فى فهم الخطر وقاموا بالمشاركة فى التصويت بأعداد كبيرة، أما منع أو تجاهل أو تزوير الانتخابات فيكون قرار القادة العرب، خوفاً من أن تصوت الشعوب لصالح طردهم من مناصبهم.

لهذا السبب يمكن أن نراهن أنه إذا كان لهذه الأنظمة طرقها الخاصة، فإن الشعوب العربية لن تحصل على فرصة.

فالحكام العرب يتمسكون بالسلطة من خلال مزيج من السخرية والإكراه والترهيب والخيار المشترك؛ فمن فترة إلى أخرى يدعون الأحزاب تدخل فى صراع فى انتخابات وهمية ثم يسمحون بعودتهم إلى السلطة، وعندما تتواجد المعارضة النزيهة تميل إلى إحداث انقسام قاتل بين الحركات الإسلامية من جانب وبين الأحزاب العلمانية التى تخشى الإسلاميين أكثر من كراهيتها للأنظمة نفسها.

وتوضح الصحيفة أن معظم الإصلاحات الشكلية قصيرة المدى التى قام بها القادة العرب خلال ضغط إدارة بوش من أجل أجندة الحرية تم التراجع عنها.

ومن المؤسف القول بأن قضية الديمقراطية أصبحت مرتبطة بالرئيس (جورج بوش) يحتقره معظم العرب بسبب غزو العراق.

وتتساءل الإيكونومست: هل يمكن للأنظمة التى خيبت آمال شعوبها بشكل واضح للغاية أن تهيمن بشكل مطلق على 350 مليون عربى؟ وتجيب قائلة إن الرئيس مبارك يحكم مصر منذ 28 عاماً، ومعمر القذافى يحكم ليبيا منذ عام 1969، فى حين أن الرئيس السورى السابق حافظ الأسد مات بعد أن أمضى 30 عاماً فى السلطة، وانتقل الحكم بسلاسة إلى نجله بشار.

وبعد فشل جهود بوش لتعزيز الديمقراطية، فإن الرئيس باراك أوباما وضع "الاحترام" محل "الحرية" فى أساس تعامل أمريكا مع العالم الإسلامى، وربما يحمل هذا قدراً من الحكمة؛ فمنذ صعود أوباما، فإن صورة أمريكا تحسنت فى أعين العرب؛ لكن هذا يدل على أنه إذا كان العرب يريدون الديمقراطية، فيجب أن يحصلوا عليها بأنفسهم.

ويشعر البعض فى الغرب بالقلق من الانتخابات العربية، خشية أن يحصل الإسلاميون على فرصة للاستيلاء على السلطة على أساس "رجل واحد، صوت واحد، لزمن واحد"، غير أن الإسلاميين يكافحون للحصول على تأييد أكثر من أصوات 20% من الناخبين.

الدول الإسلامية غير العربية مثل تركيا وإندونيسيا ترى أن الديمقراطية هى أفضل طريق للتخلص من سموم التطرف، الذى يجعله القمع أكثر خطورة.

الديمقراطية، كما تراها المجلة البريطانية، هى أكثر من مجرد إجراء انتخابات، فالديمقراطية تتعلق بالتعليم والتسامح وبناء مؤسسات مستقلة مثل المؤسسة القضائية والصحافة الحرة، والسؤال الصعب يتعلق بعدد العرب العاديين الذين يريدون ذلك؛ فقد كان هناك احتجاجات قليلة فى القاهرة مشابهة للاحتجاجات التى شهدتها إيران فى الأسابيع الماضية.

ويبدو أن أغلب العرب لا يزالون غير راغبين فى دفع ثمن التغيير أو ربما يفضلون- بعد أن شاهدوا ما جرى فى العراق- الركود عن حالة الفوضى التى قد يؤدى إليها التغيير.

غير أن الأنظمة العربية لن تكون حكيمة إذا اعتمدت على السلبية الدائمة، فكما يقول تقرير التنمية البشرية حول هذه القضية، فإن الركود السياسى فى العالم العربى يوجد وراءه اضطرابات اجتماعية كبيرة فى طريقها للحدوث ذات عواقب يصعب تقدرها، ففى كل دول عربية تقريباً تتراجع الخصوبة ويصبح مزيد من الأشخاص خاصة النساء أحسن من حيث المستوى التعليمى وأصبح لرجال الأعمال قول أكثر أهمية فى الاقتصاد الذى تديره الدولة.

وقبل كل ذلك، هناك ثورة فى التليفزيون الفضائى على التليفزيون الحكومى مما أدى إلى خلق رأى عام راغب فى الحصول على تفسيرات من الحكام أنفسهم بشكل غير مسبوق.

ورغم أن أياً من هذه التغييرات لا يبدو كافياً لإحداث الثورة، إلا أن جميعها يتسبب فى حالة حراك تحت السطح، ويبقى موعد الانهيار العظيم غير معروف.

إعداد : ريم عبدالحميد / اليوم السابع 25 / 7 / 2009

الثلاثاء، 21 يوليو 2009

الشوارعيزم‏..‏ وثقافة الحاشية‏!‏




ضايقتني الظاهرة التي سأكتب عنها اليوم‏,‏ ولكنها ـ بيقين ـ لم تحيرني‏.‏

إذ إنها استكمال لمشهد تعددت تفاصيله‏,‏ وتنوعت عناصره‏,‏ وصبت ـ أجمعين ـ لصالح توكيد فكر الاستقواء وتعزيزه‏,‏ وهو ـ كما تعلمون ـ العمود الفقري للشوارعيزم ومثلثها الشهير الذي يضم نفرا من رجال الحكومة المتنفذين‏,‏ وبعض رجال الأعمال المتمولين‏,‏ وزرافة من إرهابيي الصوت والقلم الإعلاميين والصحفيين المأجورين‏.‏

الاستقواء يعني ـ في أبسط تعريفاته ـ إطاحة القانون‏,‏ والأعراف‏,‏ والأخلاق‏,‏ والمعايير‏,‏ وحدود الالتزام المهني والوطني وتصنيع دنيا بديلة لا مكان فيها للبسطاء‏,‏ وقد بات عليهم أن يرحلوا في طوابير حزينة‏,‏ وطويلة الي خارج المشهد العام كله‏.‏


رهط من الحراس والسائقين‏,‏ والسكرتارية‏,‏ والموظفين والصحفيين يهرول حول الوزير وخلفه متكفئا أفراده‏,‏ محيطين اللقطة بصراخ لإفساح الطريق‏,‏ أو شخط ونطر من أحد صغار كبار الموظفين أو كبار صغار الموظفين‏,‏ عن أحد صغار صغار الموظفين‏,‏ للمزايدة علي إظهار الحرص والنمكية والولاء‏,‏ عبر رزع الأبواب‏,‏ وتقديم ورق لا معني له للمسئول كيما يتظاهر بالنظر فيه‏,‏ والتدافع بالمناكب لفتح السيارة‏,‏ وفلاشات كاميرات تلتمع علي وجه الرجل‏,‏ فيما مذيعة تمد يدها بلاقط الصوت ناحيته ليتحدث ما حلا له من دون توجيه سؤال‏.‏


ثم ترويع للمارة والسيارة في الشارع‏,‏ للتذكير المتواصل بأن المواطنين ينبغي أن يفسحوا الطريق للوزير‏.‏

وحتي اللحظة لم يتبادر إلي ذهني سبب أو ذريعة‏,‏ أو مبرر‏,‏ أو حيثية‏,‏ تقول بأن المواطنين ينبغي أن يفسحوا الطريق للوزير‏.‏

ثم أن الوزير اذا شد الرحال مسافرا ـ فيما يعمد الي تصويره علي أنه مهمة عمل ـ تعود اصطحاب مجموعة من الصحفيين والإعلاميين في تشكيلات أخذت في الاتساع ـ باطراد ـ حتي بلغت في حالة أحد الوزراء ما يزيد علي عشرين صحفيا وإعلاميا‏,‏ ويكون خرج تلك الحاشية ونتاجها أخبارا وصورا وأحاديث مع الوزير بمناسبة‏,‏ ومن دون مناسبات‏,‏ وكلها تنقل وجهة نظر الرجل الذي صارت تلك الحاشية تعمل عنده ولا تعمل عند قراء الصحيفة الذين يدفعون قروشهم كل يوم لشراء نسخها‏.‏


تساوت في هذا المسلك الصحف الخاصة والحزبية والقومية والاقنية التليفزيونية الرسمية والخاصة‏,‏ إذ يحرص الوزير من أولئك ـ حين يقوم بتشكيل حاشيته ـ علي تنويع ارتباطات وانتماءات أعضائها‏,‏ ليضمن سعة الانتشار‏,‏ وتدفق التغطية والأخبار‏.‏


وربما يكون في تلك الظاهرة تفسير لغياب‏(‏ الخبر‏)‏ في الصحف ووسائل الإعلام المصرية‏,‏ إذ أصبحت المادة المنشورة فيها أشبه بالبيانات الوزارية‏,‏ وما تعيده فيها تزيده‏,‏ وأملهم هو أن يكون النشر مرصعا بصورة الوزير‏(‏ مرة وهو يبتسم ومرة وهو متجهم ومرة وهو يفكر لا ندري في ماذا بالضبط‏).‏


وساعد علي اغتيال الخبر في الصحف المصرية‏,‏ وبالذات القومية‏,‏ أن حاشيات بعض الوزراء اتسع نطاقها لتشتمل فيما تشتمل علي عدد من صحفيي الجرائد باتوا يعملون في مكاتب الوزراء تحت تسمية‏(‏ خبير اعلامي‏)‏ أو‏(‏ مستشار إعلامي‏)‏ وإلي هنا والخسائر ربما تكون محدودة‏,‏ ولكن دائرة عمل مثل أولئك الصحفيين امتدت الي ما أسميه مهام الانذار المبكر‏,‏
حين تتضمن المادة المعدة للنشر في الجريدة شيئا في انتقاد الوزير‏,‏ أو وزارته‏,‏ أو قراراته‏,‏ أو سياساته‏,‏ فيعمد ذلك الصحفي‏(‏ الخبير ـ المستشار‏)‏ إلي ابلاغ الوزير فيوجه الأخير ضربة إجهاض‏,‏ مهاتفا المسئول عن الصحيفة أو رئيس تحريرها‏,‏ مؤاخذا في عبارات رقيقة‏,‏ تتضمن كلاما عن‏(‏ العشم‏),‏ وأن ذلك ربما يأتي من الأغراب ولكن لا ينبغي أن يأتي منك‏,‏ وعادة يستجيب رئيس التحرير للعتب‏,‏ فيرفع أسبابه من الصحيفة‏,‏ ويمنع نشر المادة التي عرف الوزير بأمرها‏,‏ فمال واحتجب‏,‏ وادعي الغضب‏.‏


فلاسفة اللحظة السياسية والمهنية في مصر يتحدثون ـ كثيرا ـ عن تعارض المصالح بين المنصب الوزاري والبيزنيس الخاص للوزير‏,‏ ولكن أحدهم لا ينتبه الي تعارض المصالح بين عمل الصحفي في جريدته‏,‏ واشتغاله مستشارا أو خبيرا في مكتب الوزير‏.‏


و‏(‏بالمناسبة فأنا لست ضد عمل الصحفي في عشرات من وسائل الإعلام لو أراد ولكنني ضد عمله في هذه الصيغة علي وجه التحديد‏).‏


هذه صيغة ينبغي تصحيحها لكي يصبح عندنا في صحفنا‏(‏ أخبار‏).‏


ومع ذلك فقد جاء حديثي عنها في إطار تعرضي لثقافة الحاشية‏,‏ التي لم أجد لها مثيلا في أية دولة متقدمة‏,‏ فأنت ربما تجلس في قاعة مسرح أو مباراة تنس بريطانيتين فتجد إلي جوارك أحد وزراء الحكومة‏,‏ أو نجوم ورموز الإدارة‏,‏ واذا اضطرت الظروف مسئولا ما أن يضايقك ـ لظروف عمله الرسمي ـ فإنك تتلقي ـ فورا ـ اعتذارا وترضية مناسبين‏.‏

وأذكر في إحدي ليالي عام‏1998‏ ـ وكنت وقتها مديرا لمكتب الأهرام في لندن ـ أن حجزت طاولة للعشاء مع ثلاثة من نواب مجلس العموم البريطاني في مطعم‏(‏ بون دو لاتور‏)‏ علي التيمس‏,‏

وهو أحد مطاعم سير يكرانس كونران الذي غير شكل المطاعم البريطانية التقليدي بسلاسل تواجولينوس وميتزو وغيرها‏,‏ وعادة ما يكون الحجز في بون دولاتور قبلها بأيام‏,‏ وهو ما فعلت وتلقيت تأكيدا بإتمام كل شيء‏,‏ ثم فوجئت قبلها باتصال من مدير المكان يرجوني تأخير موعدي لساعة من الزمان لأن رئيس الوزراء توني بلير وزوجته شيري دعيا ضيفيهما الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وزوجته هيلاري‏,‏ واحتاج المطعم طاولتي‏,‏ قبلت التأجيل أمام سيل من الاعتذارات وطلبات المسامحة‏,‏ وفي نهاية الأمر حصلت علي خصم معتبر في الفاتورة من دون أن أطلبه‏.‏

ولكن‏..‏ حين وصلت الي جوار المطعم عند برج لندن‏(‏ معني اسمه الفرنسي هو‏:‏ مكان الي جوار البرج‏(Pontdelatour)‏ لم أجد في انتظار الضيف والمضيف سوي اثنين من الموظفين وطاقم الحراسة‏.‏

لم ترتبك الدنيا‏,‏ ولم يعج المكان بالصحفيين‏,‏ كل ما في الأمر أن أحدهم تواجد ـ بمحض المصادفة ـ في المكان فالتقط صورة نشرتها الجارديان صبيحة اليوم التالي‏.‏


ما قصدت ـ عبر القصة الطويلة ـ هو الإشارة الي أن حاشيات الوزراء عندنا لا مثيل لها في الدنيا‏,‏ وأن أعداد الصحفيين الذين يجندونهم فاقت عدد الوفد الإعلامي الذي يصاحب رئيس الجمهورية في مهام لها صفة الخطورة والتأثير علي مستقبل البلد‏.‏


تلك الهوجة التي تحيط وزيرا عندنا من أشخاص يتدافعون في هرولة أو دهولة‏,‏ هي ظاهرة مصرية مائة في المائة‏,‏ لا تعني سوي الاستقواء علي الناس دافعي الضرائب ودافعي مرتبات أولئك الوزراء الذين ـ فيما هو مفترض ـ يعملون عند الناس‏,‏ وديدنهم ينبغي أن يكون خدمة أولئك الناس‏,‏ ونحن نري السياسيين في الخارج حين يطرحون أنفسهم علي الجمهور انتخابيا يقولون إنهم يريدون مجرد فرصة ليخدموا‏.opportunitytoserve))‏ يعني المسئول التنفيذي هو خادم للناس‏,‏ وليس سيدا عليهم‏.‏


المثير أن عدوي الحاشية انتقلت ـ مع تحولات الزمن الجديد ـ الي رجال الأعمال المتمولين فصرنا نرصد هلاتهم وطلاتهم علي أي مكان محاطة بجيوش من الخدم والحشم والحراس‏(‏ الذين لا نعرف ـ علي وجه الدقة ـ ماذا يحرسون فيهم‏,‏ إذ أننا ـ نحن ـ الذين نحتاج الي حراسة من بعضهم‏).‏


ولكنه نفس منطق الاحاطة بعصبة أو حاشية‏,‏ أو الإشارة الثقيلة جدا للأهمية‏,‏ والتي لا تتمتع بأي ملمح كياسة أو ترفق بالناس‏,‏ وصار هو السائد في كل حركة يأتيها أحد هؤلاء‏.‏


زجاج السيارات بات غامقا‏,‏ والستائر السوداء أسدلت لإضفاء الغموض‏,‏ وطقس الحركات خيم علي تحركاتهم وظللها‏,‏ ورهط من الصحفيين والاعلاميين تم توظيفه في خدمة المتمول رجل الأعمال‏(‏ هذا ان لم ينشيء صحيفة أو قناة تليفزيونية‏)‏ ليسهم هذا الجمع مرة أخري‏,‏ في تغييب واغتيال‏(‏ الخبر‏)‏ اذ إن ما ينشر في جرائدنا ـ لو أذنتم ـ ليس أخبارا وإنما هو صناعة وصياغة للمعلومات علي قد وكيف ومزاج ومصالح من يقوم بإملائها‏.‏


ولن أعيد ما ذكرته آنفا لأطبقه علي الحاشيات التي باتت تحوط هذا المغني أو ذاك‏,‏ أو هذه الفنانة أو تلك‏,‏ أو رئيس مؤسسة أيا كانت طبيعتها‏,‏ ولكنني أدعوكم معي الي التوقف ببعض التأمل والانتباه أمام بعض الأشخاص ـ من غير ذوي الحيثية المهنية أو السياسية ـ علي الإطلاق ـ والذين لا يتحركون الآن إلا وسط زحام حاشياتهم‏,‏ ونفس الجري‏,‏ والخبط والرزع‏,‏ والتصوير‏,‏ واصطحاب عدد من الصحفيين يقومون بنشر أخبارهم بانتظام في صفحات المجتمع بالجرائد والمجلات السيارة‏,‏ إذ إن إضفاء الأهمية علي مثل أولئك ـ ولو جاء من ذواتهم فحسب ـ هو لون من الاحتفاء بـالصيع‏.‏


‏الظاهرة أصبحت تعبيرا عن ثقافة سائدة جوهرها ومنطقها هو الاستقواء‏,‏ وضغط الناس‏,‏ وحشرهم إلي أبعد بعيد‏,‏ وإطاحتهم من مواقعهم‏,‏ ومكاناتهم لصالح حائزي القوة في بلدنا السعيد‏(‏ مناصبا سياسية‏,‏ أو قدرات مالية أو وسائط للتأثير صحفية وإعلامية‏,‏ أو مجرد بلطجة وادعاء للأهمية‏)!

د . عمرو عبدالسميع الاهرام 21 / 7 / 2009

أمريكا وإسرائيل‏..‏ عندما يكره اليهودي نفسه



ربما تكون هذه هي المرة الأولي التي تواجه فيها إسرائيل‏,‏ منذ نشأتها عام‏1948,‏ مايمكن تسميته بـ‏'‏صدام المصالح‏'‏ مع الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ هذا الصدام‏,‏ الذي لم تتكشف منه غير بعض المؤشرات المحدودة‏,‏ ظل طيلة العقود الستة الماضية من عمر الدولة العبرية مجرد رهان أشبه بالمقامرة مع المجهول‏,‏ لأسباب كثيرة أبرزها أن العلاقة التي نشأت بين الدولة الصهيونية والولايات المتحدة أخذت نمطا فريدا ليس له مثيل في العلاقات بين الدول جعل البعض يصفها بأنها‏'‏ علاقة خاصة‏'‏ أو‏'‏ علاقة نادرة‏'.‏

لذلك كانت هذه العلاقة هي إحدي ركيزتين أساسيتين اعتمدت عليهما الدولة الإسرائيلية في استراتيجيتها وحروبها وبرامج توسعها‏,‏ وكانت الركيزة الأولي بالطبع هي الاعتماد علي القوة الذاتية الإسرائيلية‏,‏ لذلك كانت سرعة التوجه لامتلاك السلاح النووي منذ عام‏1956‏ والحرص علي التفرد بامتلاكه في إقليم الشرق الأوسط باعتباره خط الدفاع الأخير عن وجود الكيان الصهيوني‏.‏

في السنوات الأخيرة‏,‏ وبالذات منذ الاضطرار الاسرائيلي للانسحاب من جنوب لبنان عام‏2000,‏ بدأ السؤال خافتا حول مدي استمرار الرهان الأمريكي علي الدور الإسرائيلي في الدفاع عن المصالح الأمريكية‏,‏ وهو الدور الذي كان أحد مبررات تلك العلاقة الفريدة بين إسرائيل والولايات المتحدة‏.‏

السؤال فرض نفسه بقوة بعد الحرب الإسرائيلية الفاشلة علي لبنان صيف‏2006‏ وهي الحرب التي أكد مؤخرا دان حالوتس‏,‏ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينذاك‏,‏ أنها تم التخطيط لها منذ مايو‏2000‏ انتقاما للانسحاب الاسرائيلي الاضطراري من جنوب لبنان‏,‏ في ذلك الوقت كان طرح مثل هذا السؤال المهم والخطير يعني التشكيك في قدرة إسرائيل علي الوفاء بالمهمة وفقا للمعادلة التي صاغتها جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة بعد حرب عام‏1967‏ والتي تقول‏:'‏ اعطونا السلاح ونحن نقوم بالمهمة‏',‏

وكان يعني أيضا التشكيك في جدية أو رجاحة فكرة ارييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق القائلة بأن المزيد من إطلاق الولايات المتحدة يد إسرائيل في ضرب العرب والقسوة عليهم يدفع أثرياءهم حلفاء واشنطن لمزيد من الارتماء في الأحضان الأمريكية ودفع المزيد من الأموال وتقديم المزيد من التنازلات للأمريكيين طلبا لتدخلهم لوقف الاعتداءات الإ سرائيلية‏.‏

هذه الفكرة فقدت مصداقيتها وجديتها في السنوات الأخيرة وبالذات منذ التورط الأمريكي في الحرب ضد ما اسمته واشنطن بـ‏'‏الارهاب‏'‏ وبتحديد أكثر منذ شن الحرب الأمريكية علي أفغانستان والتورط في غزو العراق واحتلاله‏,‏ حيث أصبحت الولايات المتحدة أكثر احتياجا لدعم أصدقائها العرب من حاجة هؤلاء الأصدقاء للدعم الأمريكي‏.‏ لقد أستفادت إسرائيل كثيرا من غزو الأمريكيين للعراق واحتلاله باعتراف آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي‏(‏ الشاباك‏)‏ السابق الذي كشف في محاضرة خطيرة له في سبتمبر الماضي عن أن إسرائيل حققت في العراق مالم تحلم به في يوم من الأيام‏,‏

ولكن مع إدراك الأمريكيين لخطورة ورطتهم في العراق وتوصلهم إلي قناعة بضرورة تدبير انسحاب مشرف من هذا‏'‏ المستنقع‏'‏ الأشبه بـ‏'‏المستنقع الفيتنامي‏'‏ أخذ الحديث يتصاعد عن الدور الإسرائيلي في توريط الأمريكيين في الحرب ضد العراق في الوقت الذي ازدادت فيه الحاجة الأمريكية للعرب كي تخرج من هذا المستنقع بأقل قدر ممكن من الخسائر‏.‏

في ظل هذه التطورات جاءت أحداث الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة في يناير‏2009‏ وهي الحرب التي وضعت أصدقاء الولايات المتحدة من‏'‏ المعتدلين العرب‏'‏ في موقف شديد الحرج مقارنة بالموقف الإيراني الذي ظهر باعتباره الداعم الأهم للصمود الفلسطيني ضد العدوان الإجرامي في قطاع غزة‏.‏ وعندما كانت أحداث هذه الحرب تتفاقم هي وتداعياتها علي المستويين العربي والأمريكي لم يكن الرئيس المنتخب باراك أوباما قد تسلم مهامه الدستورية بعد‏,‏ وكانت الإدارة الأمريكية السابقة شبه مشلولة لانشغالها بمغادرة البيت الأبيض ولملمة أوراقها‏.‏

وقتها لم يستطع باراك أوباما أن يفعل شيئا لكنه كان يراقب ويبدو أنه قد اتخذ القرار الذي استخلصه من بين ركام أداء إدارة جورج بوش وأهوال الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة‏,‏ وإدراكه للحاجة الأمريكية المتزايدة لدعم المعتدلين لإنهاء الحرب في العراق ولدعم الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في أفغانستان وإيجاد حلول للأزمة مع إيران‏.‏ هذا الإدراك أصطدم بواقع إسرائيلي جديد رافض لهذا التوجه الأمريكي فرضته نتائج الانتخابات النيابية الإسرائيلية التي جاءت بإئتلاف حكومي لليمين الإسرائيلي المتشدد بقيادة حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نيتانياهو‏.‏ وتفاقم هذا الاصطدام بطرح حكومة نيتانياهو توجها بديلا لتوجه إدارة باراك أوباما يطالب بإعطاء الأولوية لحل ملف البرنامج النووي الإيراني سلما أو حربا‏,‏ وبعدها ستكون الظروف مواتية لفتح الملف الفلسطيني‏,‏ وظهور أفكار جديدة للحل لاتعتمد علي فرض تنازلات إسرائيلية غير مقبولة‏.‏

هذا الإصطدام ظهر جليا في لقاء نيتانياهو مع أوباما في واشنطن‏(18‏ مايو‏2009)‏ وهو اللقاء الذي تمسك فيه نيتانياهو بأولوية التعامل مع الملف النووي الإيراني وبحق إسرائيل في الدفاع عن مصالحها بما يعني حقها في شن حرب وقتما تشاء ضد المنشآت النووية الإيرانية إذا رفضت واشنطن المشاركة في هذه الحرب‏,‏ وهنا بالتحديد ظهرت بوادر جدية مؤشرات صدام المصالح بين إسرائيل والولايات المتحدة‏.‏

فقد ذكرت صحيفة‏'‏ يديعوت أحرونوت‏'‏ أن اللقاءات التحضيرية التي عقدها الرئيس باراك أوباما مع بعض قادة المنظمات اليهودية الأمريكية كشفت عن إصرار إدارة أوباما علي تحقيق تسوية دائمة للصراع‏'‏ الإسرائيلي ـ الفلسطيني‏'‏ خلال الدورة الحالية لهذه الإدارة‏,‏ وأن بعض رجال هذه الإدارة يرون أن الحكومة الإسرائيلية تضع عراقيل أمام هذه التسوية‏,‏ وأنه حتي أصدقاء إسرائيل في الكونجرس يشاطرون أوباما موقفه ويرون أن إسرائيل تؤدي دورا سلبيا في التعاطي مع المصالح الأمريكية العليا في المنطقة‏.‏

ووصف أحدهم الموقف الإسرائيلي بأنه‏'‏ يثير الأعصاب‏'‏ خاصة تصريحات نيتانياهو التي أطلقها في جلسات داخلية وقال فيها إن‏'‏ رام عمانويل‏'(‏ رئيس ديوان الموظفين في البيت الأبيض الذي يعتبر الشخصية الثانية بعد الرئيس‏)‏ وديفيد اكسلارود‏(‏ المستشار السياسي للرئيس‏)‏ هما يهوديان يكرهان نفسيهما‏(‏ وهو التعبير الذي يقال لليهودي الذي يخون مصالح شعبه اليهودي‏)'.‏

صدمات تتوالي لعلاقات ظلت توصف علي مدي عقود ستة مضت بأنها‏'‏ علاقة فريدة‏'‏ من نوعها‏,‏ قد تكون بمثابة مؤشرات لإدراك متبادل بصدام المصالح بين البلدين‏,‏ أو باحتمال حدوث مثل هذا الصدام‏,‏ لكن يبقي السؤال الأهم‏:‏ هل ستترك الاحتمالات تتحول إلي واقع أم يتم احتواؤها؟ ولكن كيف؟ وعلي حساب من؟ وأين العرب من هذا كله؟

د . محمد السعيد إدريس الاهرام 21 / 7 / 2009

جمال مبارك والكاتب " الكبير "


يمكن لكتّاب السلطة أن يحشوا جرائدهم ومجلاتهم بآلاف السطور للدفاع عن «أمانة السياسات»، لكن ليس بوسع أى منهم، مهما علت موهبته وسال قلمه وفاض بيانه، أن يقنع أحدًا، لأن الرتوش عديمة الصلاحية ليس بمقدورها أن تجمل قبيحًا، والكلمات المتحايلة لا يمكنها أن تجعل الكذب المنظم يتحول إلى صدق جلىّ، وزجاجة عطر واحدة ليس باستطاعتها أن تُذهب رائحة جثة متحللة.

ولأن الكاذب يظن أن كل الناس كذابون، والسارق يعتقد أن كل البشر لصوص، ومن لفظه المخبرون يتصور أن كل الناس على شاكلتهم، فإن أحد هؤلاء اعتقد أن كل من ينتقد «أمانة السياسات» هو متسول على بابها، يصرخ لتفتح له، ويهيل التراب ويثير الغبار ليلفت انتباهها. فصاحبنا الذى باع بثمن بخس يهرول بقدر ما تسعفه ساقاه اللتان كادتا تخوران من التحايل والوقوف فى منتصف المسافات، حتى يلحق بأى شىء يخطفه قبل أن تسدل الستارة الأخيرة التى لن تحجب أبدا لحظات سقوطه وخيانته لضميره، وتخليه عن البسطاء الذين كان ينافح عنهم فى الأيام الخوالى، ويتقاسم معهم الأحلام.

صاحبنا «الكبير» لم يتمهل فى تأجير قلمه المتدفق ليسكب على صفحتين كاملتين عشرات السطور لحساب واحد من تلاميذه، ممن نالوا فى لحظة أكثر مما حلم به هو طيلة حياته، فعلى الأقل هم فى قلب «الحكاية» بينما هو يرسف فى أغلاله بين صفحات خارج الهيئة، تنفحه آخر كل شهر ما كان بوسعه أن يحصل عليه من ثلاث مقالات لا تزيد عدد كلماتها على ألفى كلمة، لو أنه ظل مكانه وفى موقعه، ثائرا فائرا خطيبا مهيبا وكاتبا موهوبا، يروى لنا بعض حكايات الوطن الجريح، ويفتش عن الدر الكامن فى روح مصر الحبيبة.

صاحبنا لا يعرف أبدا أن ما اعتقده رغبة من البعض فى اللحاق والانضمام إلى «القبلة الجديدة» للباحثين عن العطايا والخبايا والوجاهة الزائفة، قد جرى بالفعل، وتم عرضه على استحياء قبل أربع سنين، وتم رفضه بكل جرأة، لأن من تعلم من قوت الفلاحين والعمال والموظفين الغلابة لا يمكنه أن يخونهم حين يرتدى «الكرافت»، ولا يمكن لمن لا يحنى رأسه إلا لخالقه أن يقبل أن يكون مجرد مسمار صدئ فى ترس بالٍ لآلة جهنمية تأكل الأخضر واليابس على ضفاف النيل العظيم.

إذن سقط احتمال «عبده مشتاق» أيها المسكين، ليبقى الاحتمال الآخر الذى أثرته وهو «الصراخ»، ورغم أنك «كنت» من كبار الصارخين لثلاثة عقود كاملة، وتعلمنا منك الغضب للوطن، حين «كنت» كاتبًا ومثقفًا حقيقيًا، فإننى أقول لك إن هذا الصراخ مباح، ليس لأن ما يجرى لبلدنا من تدمير فوق قدرة أى عاقل على التحمل، بل لأنه صراخ مبنى على الحجة والبرهان مدعومًا بالأرقام والأسانيد، وليس مجرد زعقة فى جزيرة بعيدة، أو نداء فى أموات.

وينصب لنا الماكر فخًا فيطالبنا بألا نتحدث عن «أشخاص» إنما عن «مضمون»، قاصدا ألا ننتقد دور جمال مبارك والترتيب لـ»التوريث»، وهو يعلم أننى مثلا لم أكتب حرفا فى يوم من الأيام، ولن يحدث بإذن الله، لانتهاك حرمة الحياة الشخصية لأى فرد حتى ولو كان ماسح أحذية، إنما كل حقوقنا مكفولة ومصونة لأن نحمل بشدة على أى شخصية عامة فى مسلكها وتصرفها العام، ولن يقع أى عاقل فى «شرك» الانخراط فى مناقشة مضمون ما تفعله «أمانة السياسات» دون أن نقول لصاحبها «من أنت؟ وماذا تفعل؟ ولماذا تجلس هنا؟» لا سيما إن كان يتصرف على أنه فوق رئيس الوزراء، بل ظهر أخيرا فى صورة الـ»حكم بين السلطات»، رغم أنه ليس لفعله أى سند دستورى.

إن الاكتفاء بالجدل حول «المضمون» فقط يعنى ابتداء التسليم بالشرعية السياسية والمشروعية القانونية لما يجرى، وسيؤدى- وهو أمر ليس خافيًا على ماركسى قديم- إلى تغول من لا سند له، وتوحش من حوله، وتخلٍ عن المبادئ لحساب التفاصيل، التى لن تكون مهمة فى بلد تحتكر فيه القلة القرار، وتُلحَق المعارضة بالسلطة، وتُقتل كل الوسائط السياسية، وتسير كل الأمور والأشياء بفضل «توجيهاته».

لقد حشدت فى عشرات المقالات، ورصدت فى العديد من كتبى وأبحاثى، مظاهر تدهور كل شىء بالأرقام، لكن صاحبنا يتصور أن ما يقال ليس إلا خيالات أدبية أو مماحكات صحفية وكلمات مرسلة، بينما هو فى الحقيقة يشكل خلاصات لدراسات ميدانية ومشاهدات عينية ومطالعات لأبحاث من سبقونا على درب العلم، واحتفظوا باحترامهم ولم يتبجحوا ويخونوا ما ترتبه الأكاديمية على صاحبها من مسؤولية، ولم يترخصوا ويؤجّروا أقلامهم لخدمة السلطان والقرصان والسجان، بحثًا عن كرسى متهالك أو رضا لن يدوم.

إن ما كتبه صاحبنا ينطوى ما يُرد عليه منه، وما اعتقد أنها سهام مسمومة يصوبها إلى نحر من يعارض جمال مبارك ارتدت إلى نحر هذا الكاتب، وما ظنه تشويشًا ينهال على رؤوس أصحابه بات ينهال على رأسه هو ومعه من أراد الدفاع عنهم بالباطل. فبكل بساطة يمكن أن نقول له: يا من كنت تبهرنا فى الماضى ونتقاسم صفحات كتبك ونبحث عنها فى عيون بائعى سور الأزبكية، إنك أنت الذى تعيش دور «عبده مشتاق» لأن ببساطة ما أخذته لا يتساوى إطلاقا مع ما دفعته ولا مع ما تستطيع فعله، ولا يشكل أى قدر مما حازه تلاميذك، الذين لم يؤلفوا الكتب ولم يشغلوا رؤوسهم بثقافة رفيعة مثلك. وهذا الوضع يجعلك، دون شك، تبات مؤرقا، لا تقر لك عين، ولا يغمض لك جفن، لأنك تريد المزيد، وهو ما نقر أنك تستحقه، لكنك لن تحصل عليه، لأن من تدافع عنهم لا يعرفون قدر أمثالك، ولا يريدون إلا جنودا طائعين وخدما خاضعين، فعد إلى خندقك، وأحسن خاتمتك.
د. عمار على حسن المصرى اليوم ٢١/ ٧/ ٢٠٠٩