جمال فهمي / الدستور / 11 / 7 / 2009
ربما كان الأمر زلة لسان من السفيرة مني عمر مساعدة وزير الخارجية لشئون القرن الأفريقي وقعت فيها معاليها وهي تتحدث قبل أيام لبرنامج تليفزيوني عرض تطورات مشكلة الصيادين المصريين الغلابة الذين اختطفهم القراصنة الصوماليون من شهور، مؤكدة أن الوزارة لا يمكنها «المساهمة» في دفع مبلغ الفدية المطلوب للإفراج عن هؤلاء المواطنين «حتي لو كان عددهم مليونًا» وليس مجرد (36) شخصًا لا راحوا ولا جاءوا ويمكن تعويضهم بسهولة والحصول علي غيرهم في ثانية واحدة من الثواني الإنجابية للسيدة مصر!!
ولم تشأ جناب السفيرة ترك الجمهور علي عماه دون تبصيره بأسباب عدم قدرة وزارتها علي المشاركة في تدبير مبلغ الفدية الذي زفت لمشاهديها نبأ نجاح الحكومة في تخفيضه من (4) ملايين إلي 800 ألف دولار فقط، وأبدت جنابها حرصًا مشكورًا علي شرح وتوضيح كيف أن بنود الميزانية المخصصة لوزارة الخارجية محددة علي سبيل الحصر ومن ثم لا مكان فيها للصرف علي مواطنين مصريين مختطفين مهما كان عددهم، وإن كان في هذه البنود ما يسمح ـ كما قالت ـ بشراء «ورق تواليت» لحمامات الوزارة شرط وجود «فواتير» تثبت قيمتها!!
ومع تعذر أو ـ بالأحري ـ استحالة الحصول من قراصنة الصومال علي «فاتورة» بالمبلغ الذي سيتم دفعه لافتداء المصريين المختطفين لديهم، فإن البعض قد يتصيد «زلة» معالي السفيرة ويقرأون في كلامها التليفزيوني شيئًا من عدم الكياسة واستخفافًا مذهلاً، ليس فقط بمصير وأرواح مواطنين فقراء لا حول لهم ولا قوة، وإنما بهذا النوع كله من الشعب المصري علي ما يدل استخدامها عبارة «حتي لو كانوا مليونًا».
وقد يقول نفر من الحاسدين الحاقدين علي السيدة مني عمر إنها بدت وهي تتحدث في أمر علي هذا القدر من الحساسية والخطورة مفتقدة تماما اللياقة الدبلوماسية واستعارت طريقة أي موظف بيروقراطي تعبان، فحصرت أسباب نأي الحكومة بنفسها عن الموضوع (عدا التفاوض مع الخاطفين باعتبارها وسيطًا محايدًا) في الجوانب المالية وبنود ميزانية وزارتها فحسب، ولم تقل ـ حتي من باب الادعاء الكاذب ـ إن هناك موقفًا سياسيًا مبدئيًا للحكومة يرفض الاستجابة لابتزاز عصابات القراصنة والإرهابيين ويصر علي التعامل معهم «بوسائل أخري» نعرف جميعا أنها غير موجودة لكن الكلام كان ستبدو فيه نسبة «شياكة» معقولة تسمح ببلعه علي مضض!!
غير أن هؤلاء البعض الذين ربما يتشطرون علي السفيرة مني وينحون عليها باللائمة ويرمونها بنقص في اللياقة، يتناسون عن عمد ـ غالبا ـ أن زلة لسانها عبرت ببلاغة لا تنقصها الصراحة عن عقيدة راسخة للنظام وسياسة عليا لحكومة «البيزنس» التي أسندت لمعالي السفيرة مهمة متابعة شئون القراصنة في منطقة القرن الأفريقي والإبقاء علي جسور التواصل معهم مفتوحة وقوية تأكيدًا لدور مصر «كراعٍ نزيه لعملية السلام» يأبي ضميره الانحياز لأي من أطرافها وإنما يحرص دائما علي أن يفهم القرصان الخاطف أنه يحظي بحب واحترام ومعزة أكثر كثيرًا مما يكنه الراعي ويضمره للضحايا المصريين المخطوفين بالذات، وتلك هي أصول «السياسات» العليا وإلا يفتح الله!
أما عقيدة النظام التي أنجبت سياسته العليا المذكورة أعلاه في «مستشفي الجلاء» للولادة من 30 سنة، فهي مشهورة ومعروفة من قبل كلام معالي السفيرة وستبقي من بعده بمشيئة الرحمن، وخلاصتها أن دور مصر أهم من شعبها ألف مرة، و«ورق التواليت» أجدي وأنفع للوطن من مليون مواطن فقير لأن الأمم تنهض عادة بأبنائها المخلصين أصحاب المراحيض الفخمة التي لا ينقطع منها «الكلينكس» أبدًا، لكن هذه الأمم قد تضمحل وتفني فورا إذا حدث يوما أن رَق قلب واحد من المحتكرين والحرامية الذين يصنعون سياساتها العليا وصعب عليه حال بضع عشرات من الغلابة ثم دس إيده في جيبه وطلع 800 ألف دولار دفعها بغير اكتراث لإنقاذهم من الموت في الأسر .. ونتكلم بكره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق