الاثنين، 6 يوليو 2009

فى قاع الدول

من أول السطر

إبراهيم عيسي الدستور 5 يونيه 2009

أنا عاتب علي دكتور حسام بدراوي صديقي العظيم والعالم الفذ والرئيس الفخري للمجلس الوطني للتنافسية الذي أرسل لي تقرير مجلسه الذي أعلن عن ترتيب مصر بين دول العالم طبقا لمؤشرات التنافسية هذا العام دون أن يرسل لي مع التقرير اسم الدواء المهدئ الذي يجب أن أتعاطاه وأنا أقرأ تفاصيل هذا التقرير، يستحسن أن أشرح لك لماذا يرفع التقرير الضغط ويوتر الأعصاب ويعجل بالطلق للحوامل ويصيب المواطن المصري بالاستبحس نتيجة ما يقرأه ثم ما يعرفه.

يا سيدي، كل دولة في العالم تدخل امتحانات آخر السنة مثل أي طالب ثانوي أو جامعي حتي تعرف مستواها وتنجح وتنتقل للعام التالي أو تفشل وتعيد السنة أو تشيل مواد؛ وهذا الامتحان اسمه التنافسية، وتعني ببساطة قوة وقدرة اقتصاد الدولة علي المنافسة مع اقتصاديات الدول الأخري، والامتحان مكون من 12مادة تمثل مؤشرات التنافسية العالمية، ومجموع درجاتنا يضعك في قائمة الدول الناجحة أو الساقطة سنويا.

ومع احترامي للمقدمات التبشيرية والتجميلية والتي نتعنا بها مجموعة الوزراء المصريين في التقرير قبل أن ندخل علي الغميق ونقرأ تفاصيله فهي محاولة للتخفيف من حجم الكارثة والتنصل من المسئولية عن تلك النتائج الخائبة، ثم هي أشبه بنكتة حماتك نزلت تتفسح، سأذكرك بهذه النكتة بعد ما أروي لك مأساة أرقام التقرير، هل أنا سوداوي لهذه الدرجة في قراءة التقرير؟، محتمل فأنا زملكاوي،

لكن ليحكم علي سوداويتي الأهلاوية وهم يقرأون معي، لقد شهد مركز مصر تراجعاً بين الدول المشاركة في مؤشر التنافسية العالمية الذي يصدره المنتدي الاقتصادي العالمي من المرتبة 77 ( بين 131 دولة) في العام السابق إلي المرتبة 81 بين 134 دولة هذا العام، ومن هنا ندخل علي الفساد حيث يتم قياس مؤشره العالمي وفقاً «لدرجة انتشار الفساد بين المسئولين الذين يعملون بالقطاع العام ورجال السياسة»، ويتم تعريف الفساد علي أنه «سوء استغلال الصلاحيات المفوضة من أجل تحقيق مكاسب خاصة»،

وفيما يتعلق بمؤشر مدركات الفساد لعام 2008، احتلت مصر المركز 115 من بين 180 دولة تضمنتها الدراسة، وبلغ مجموع النقاط التي أحرزتها مصر 2,8 نقطة من عشر نقاط، (خمس نقاط تعني «وجود مشكلة فساد خطيرة»)، إذن مصر دولة فاسدة سياسيا؛ هكذا بكل وضوح وشفافية يخبرنا مؤشر التنافسية، وعند درجة من الفساد عامة وخطيرة ومزرية وفي قاع الدول من حيث مقاومة ومواجهة الفساد في الدولة ولدي رجال السياسة.. هل يسمعنا الجهاز المركزي للمحاسبات ومباحث الأموال العامة صلاة النبي؟

وننتقل من هذا المؤشر إلي آخر يزعجنا به ويلح عليه الإخوة في الحكم والحزب الحاكم وهو استقرار الاقتصاد!.. بذمتك كم مرة سمعتهم يمتدحون اقتصادهم المستقر والدولة المستقرة حتي تظن أن كلمة الاستقرار مقدسة لدي هؤلاء من قصر العروبة إلي شارع قصر العيني؟!.. ولكن لما تأتي ساعة الحقيقة فإن العالم يكشف ويعري هذا الاستقرار المزعوم؛ فقد احتلت مصر المرتبة 125 بين 134 دولة لعام 2008 ــ 2009 فيما يخص استقرار الاقتصاد الكلي، فين الاستقرار ده يا حاج، يا باشا؟!.. إذن المقصود بالاستقرار عندهم هو استقرار حكمهم وثرواتهم!

ويأتي ترتيب مصر في مؤخرة جميع دول العالم فيما يتعلق بكفاءة سوق العمل، حيث تراجع ترتيبها إلي المرتبة 134 بين 134، دولة وكأن العالم يعطينا درسا قاسيا بليغا وبالغا في أن سوق العمل عندنا وضيع في كفاءته رغم هذا التهليل والتمجيد الذي ينافق به حكامنا أنفسهم، وتسأل نفسك: الناس دي قاعدة ليه؟ وماذا تريد أن تفعل أكثر من هذا، خصوصا أن كل بالوناتهم عن الاقتصاد تفرغها التقارير الدولية من هوائها وهرائها؟!

ومن اللافت هنا في تقرير التنافسية حين تم سؤال المديرين حول ما إذا كانت مناصب الإدارة العليا في مصر عادة ما يشغلها الأقارب أو الأصدقاء بغض النظر عن الكفاءة، أم يشغلها في الأغلب مديرون محترفون يتم اختيارهم بناءً علي مؤهلاتهم؟ جاءت إجاباتهم قاسية وقاصمة، فالمناصب للأقارب والأصدقاء وليس لأصحاب الكفاءة والمؤهلات، فانتهي الأمر إلي أن احتلت مصر المرتبة الأخيرة بين جميع دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا تقرير واحد لم نكمل لكم كل ما كشفه، لكن أليس كل هذا كاشفا عن دولة تتراجع وتنحدر واقتصاد متراخ وفاسد؟

قد تجد من يبحث عن أرقام أخري ومؤشرات تحاول تجميل الصورة وتخفيف العار بتصريحات وردية ملتفة ومراوغة تحاول تضليل الناس عن حقيقة وضع بلدهم، لكن كل هذا يعود بنا الي أن النكتة التي تروي أن حامد كان في السعودية حيث جاءته رسالة علي المحمول من شقيقه يقول فيها: عمك مات، حزن حامد جدا وشعر بصدمة هائلة فلما رجع بعدها بشهور لمصر قال لشقيقه: يا أخي مش كنت بعت لي رسالة في الأول تقول فيها عمك نزل يتفسح، وبعدها بأسبوع عمك عمل حادثة وهو بيتفسح وبعدها بكام يوم عمك مات، فتخفف عني الصدمة، بعد شهر عاد حامد للسعودية وعقب عودته بيومين تلقي رسالة محمول من شقيقه يقول له فيها: حماتك نزلت تتفسح!

الآن أكاد أسمع خبراءنا ووزراءنا بيقولوا لنا: اقتصادنا نزل يتفسح!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق