إبراهيم عيسى / الدستور 12 / 7 / 2009
يمكن أن نقول ببساطة إن أمانة السياسات وجمال مبارك نالا هزيمة سريعة وحاسمة وإن كانت مؤقتة وقصيرة فيما نعتقد، فلا شك أن الرئيس مبارك أجهض فكرة حل مجلس الشعب خلال الأسابيع الماضية، ورغم أن الرئيس قد يعود ويستجيب لضغوط ابنه فإنه حتي الآن أوصل رسالة للجميع بأنه لا يزال الرئيس الفعلي والقوي والمتحكم الفرد في قرارات مصير مصر وتفاصيل شئونها. ورغم كل محاولات المراوغة والالتفاف والإنكار الهش التي تمارسها أطراف في أمانة السياسات قريبون حتي الالتصاق بجمال مبارك محاولين التنصل من فشلهم في حل المجلس والادعاء أن فكرة حل مجلس الشعب لم تكن مطروحة،
فإن الثابت أن هذه الأمانة (غير المستأمنة ) اقترحت الفكرة وروجتها وطرحتها بالفعل علي الرئيس مبارك وأوحت للجميع داخل المحيط السيادي في الدولة -قبل أن تتلقي رداً نهائياً حاسماً من الرئيس - بأن مبارك مقتنع بها وسوف يأمر بتنفيذها ومن ثم يلحقها بانتخابات رئاسية مبكرة يقدم فيها الأب ابنه !
لقد شهدت أروقة واجتماعات الأمانة حوارات مطولة حول حل مجلس الشعب، وانتهت أطراف أساسية داخل الأمانة إلي ضرورة الحل مع ترحيب وتربيت ودعم من جمال مبارك، ولم يكن الكلام طبعاً عن توريث وتنازل من الرئيس فهذا كلام فج إن تم علانية وفظ إن جري أمام الجميع، لكن هذه الخطوة كانت مهمة لدي المحيطين بجمال مبارك في السعي نحو فرض أمر واقع ثم الإسراع بالتقاط التفاحة الناضجة من علي الشجرة، فالحاصل أن دائرة الحكم في مصر وصل لها ـ تلميحاً أو تصريحاً ـ حالة العزوف من الرئيس مبارك التي أعقبت حزنه علي رحيل حفيده الذي كان ـ ولايزال ـ قرة عين الرئيس وقطعة من روحه،
لكن حتي أقرب الناس للرئيس فهم حزنه خطأ وفقدوا بوصلة الفهم الحقيقي للرجل، فالحقيقة أن مقاتلاً حربياً مثل الطيار حسني مبارك، ورئيساً استمر علي مقعده الفرعوني أكثر من ربع قرن لا يمكن أن يعطل حزنه مهما كان كبيراً وهائلاً (وهو كذلك فعلاً) مشروعه ومسئوليته وسلطته، ولهذا تسرع هؤلاء المحيطون بالابن والمتلهفون علي توريثه بينما تمهل الرئيس، وهو ما وضع الحرس القديم وعلي رأسه أمكر وأمهر ساسة البلد صفوت الشريف موضع عدم القدرة علي المخاطرة بنفي قاطع وصريح لحل مجلس الشعب وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة،
وإن كان الشريف بدهاء يثير إعجاب خصومه دائما زرع أفخاخاً كثيرة في طريق حل البرلمان الذي بدا تمهيداً لقفز النجل علي مقعد الوالد، وكانت الأفخاخ كفيلة بنسف الحل أو بنسف طموح بقاء الشريف في موقعه، ثم حاول فتحي سرور ومفيد شهاب ـ الحارسان القديمان صاحبا العلاقة المفتوحة مع نجل الرئيس ـ أن يمسكا العصا من المنتصف ولم يمانعا وإن تمنَّعا، حيث نجح حلفاء النجل في تصدير فكرة تأثر الرئيس ثم في ترويج زهد الرئيس في الرئاسة.
المرجح أن الرئيس لم يتحاور مع حرسه القديم ولا الجديد في مشروع حل مجلس الشعب صراحة، ما حصل أن الاقتراح وصله من أمانة السياسات وتحت مبررات تبدو أشد ما تكون بعداً متعمداً عن الكلام في انتخابات رئاسية، بل ركزت علي قانون تخصيص مقاعد المرأة و85 حكماً بالطعن في عضوية نواب (كأنهم تذكروا هذا فقط !) ثم تزاحم جدول الانتخابات في العام القادم، ثم الرغبة في تنقية المجلس من الإخوان وقد شفعوا اقتراحهم بأن الإخوان في مرحلة تراجع شعبية وأنهم لن يطرحوا أنفسهم علي طريقة الانتخابات الماضية
(المعروف أن الدولة ستقوم بالتزوير ضد الإخوان لكن السيناريو أن الإخوان سوف يساعدون الحكم بمزيد من التعقل بعدم التوسع في الترشيح وبالرضا بعدد محدود من المقاعد مما يخفض من الآثار الجانبية للصداع الإخواني ). المهم أن الرئيس قرأ واستمع ولم يقرر، ومن هنا جاءت حالة الضبابية التي عاني منها الحرس القديم وبدت تصريحاته مترددة وخائفة من ضربة رئاسية موجعة تنزل علي رؤوسهم بموافقته علي حل مجلس الشعب مع صمت مطلق ومطبق من فريق الإبن طيلة الجدل الإعلامي والسياسي حول حل البرلمان!
ما الذي جعل الأمر مختلفاً الآن؟!
لقد وصلت للرئيس تقارير رأي عام وأخري أمنية رفيعة المستوي تنقل ما يدور في دوائر الإعلام والسياسة عن أن حل مجلس الشعب هو خطوة للتوريث ونقل الرئاسة للابن في حياة أبيه. فإتخذ الرئيس عدة مواقف سريعة بظهور سياسي ملح ومشاركات سياسية ودولية واسعة وجدول زيارات عربية وخارجية كان الغرض منها توصيل رسالة للنجل ورفاق أمانة السياسات مع تطمين مباشر للحرس القديم بأن الرئيس لا يزال هو الرئيس ولا يفكر لأسباب عاطفية أو صحية في التنحي، كما تم مسح فكرة حل البرلمان بأستيكة !
المشكلة أن الجميع يخشي من مفاجآت الرئيس مبارك، فمع سعادتهم الغامرة بأن الرجل انتصر للجمهورية حتي الآن ولا يزال يرفض مشروع التوريث وتخلص من إلحاح حل البرلمان لكن كل الاحتمالات في مصر الفرعونية مفتوحة، ثم إن الابن لم ييأس والمحيطون به يطالبونه بالأمل وبالعمل.. إنهم يدفعون الابن إلي أن يدفع !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق