فهمى هويدى / الشروق 5 / 6 / 2009
الذى يتابع الصحف المصرية الصادرة خلال الأسابيع الأخيرة يلاحظ أنها تجمع على أن شيئا ما يُطبخ فى الطوابق العليا للسلطة. صحيح أن الإعلام الرسمى وشبه الرسمى إما أنه ملتزم بالصمت حول الموضوع أو أنه اختار أن يردد تصريحات النفى التى تصدر عن بعض المسئولين، لكن معلومات «الطبخة» تحتل عناوين الصحف المستقلة والحزبية،
وهى تتوزع على ثلاثة محاور أساسية هى: حل مجلس الشعب وترتيب وضع المجلس الجديد ــ اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة استحقاقات الانتخابات الرئاسية التى يفترض أن تتم فى سنة 2011، بعد انتهاء الولاية الخامسة للرئيس مبارك ــ الحكومة الجديدة التى يفترض أن تشكل بعد الانتخابات النيابية.
ثمة كم كبير من المعلومات يندرج تحت هذه العناوين، بعضها يتعلق بوجودها والبعض الآخر يتعلق بتفاصيلها. مثلا، فى البدء قيل إنه لا حل لمجلس الشعب، وإنه سيكمل مدّته الطبيعية التى تنتهى فى شهر يونيو عام 2010. ثم حدث تراجع عن النفى. وأصبح الكلام يدور الآن عن موعد الحل وتداعياته. وتذرع المؤيدون لفكرة الحل بأنه صار مطلوبا بعد التعديل الذى أدخل على نظام التمثيل الانتخابى. بحيث خصص 64 مقعدا للنساء،
فى حين قال آخرون صراحة إن السلطة ضاقت ذرعا بوجود 88 عضوا من الإخوان فى المجلس، وإن ترتيب أمر الانتخابات الرئاسية يقتضى التخلص من هذا العدد حتى لا يكون للإخوان كلمة فى ترشيح أى شخص للرئاسة (من الشروط أن يحصل المرشح على تزكية 65 من أعضاء مجلس الشعب). وسمعت من أحد القريبين من «المطبخ» أن الحل سيتم خلال شهر يوليو الحالى، وأن الانتخابات الجديدة ستجرى طبقا للقانون خلال 60 يوما، وربما كان شهر رمضان (آخر أغسطس) هو الموعد المناسب لها.
بل قال صاحبنا إن المطبخ حدد النتائج من الآن بحيث يعطى حزب الوفد 25 مقعدا والتجمع 15مقعدا. ولن يسمح للإخوان بأكثر من عشرة مقاعد، وفهمت من آخرين أن اختيار شهر رمضان لإجراء الانتخابات روعى فيه أن الدوائر تكون هادئة نسبيا نظرا لفتور همّة الناس بسبب الصيام، وأن ذلك «الهدوء» سوف يساعد المسئولين عن العملية على تفصيل النتائج على النحو المرسوم!
وسط اللغط المثار حول حل مجلس الشعب، نشرت «الشروق» خبرا عن اجتماع قريب للهيئة العليا فى الحزب الوطنى للنظر فى ترشيح جمال مبارك للرئاسة. وما إن نشر الخبر حتى صدر أكثر من نفى له، رغم أن مصدره وثيق الصلة بقيادة الحزب، الأمر الذى لا يدع مجالا للشك فى صحته. وأبرزت النفى صحف أخرى، على نحو بدا أن مقصوده يتجاوز الكيد والتراشق المهنى بين المتنافسين، الأمر الذى يمكن تفسيره بأحد احتمالين، إما أن تسريب الخبر كان بمثابة بالونة اختبار لمعرفة صدى الترشيح (علما بأن هناك كلاما آخر عن أن الرئيس مبارك هو الذى سيرشح نفسه) ــ الاحتمال الثانى أن يكون هناك صراع داخل أجنحة الحزب، أحدها سرب خبر الترشيح والثانى سارع إلى نفيه.
أما الحديث عن شكل الحكومة القادمة، فالشائعات بصدده تركز حول شخص رئيسها، وحظوظ الوزراء الحاليين ــ الواصلين بطبيعة الحال ــ فى خلافة رئيس الوزراء الحالى الدكتور أحمد نظيف، الذى يقال إنه محسوب على جناح دون آخر، وإن مصيره سيحدده الفريق الذى سيكسب الجولة.
ما يهمنى فى هذا كله أنه لا يوجد موقف رسمى واضح، وأن تصريحات المسئولين فى شأن العناوين الثلاثة مائعة وغير واضحة. إذ تفتح الباب على كل الاحتمالات، فى حين تحيل الأمر إلى قرار الرئيس فى نهاية المطاف. وهى تصريحات تهدر قيمة الشفافية وتفضح هامشية الدور الذى تقوم به مؤسسات الدولة، التى تبين أنها جميعا تنتظر ــ مثلنا ــ قرار الحضرة العلية، الأمر الذى يحيط المستقبل بهالة كثيفة من الغموض. وهو ما اعتدناه فى مصر، التى تحولت فيها السياسة إلى فن إخفاء الحقائق عن الناس وتعليق مصيرهم على قرار علوى فردى. يذكرنا المشهد بما قاله تشرشل يوما ما عن الاتحاد السوفييتى حين وصفه بأنه «لغز مغلَّف بلغز آخر داخل أحجبة محكمة». إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا.
الذى يتابع الصحف المصرية الصادرة خلال الأسابيع الأخيرة يلاحظ أنها تجمع على أن شيئا ما يُطبخ فى الطوابق العليا للسلطة. صحيح أن الإعلام الرسمى وشبه الرسمى إما أنه ملتزم بالصمت حول الموضوع أو أنه اختار أن يردد تصريحات النفى التى تصدر عن بعض المسئولين، لكن معلومات «الطبخة» تحتل عناوين الصحف المستقلة والحزبية،
وهى تتوزع على ثلاثة محاور أساسية هى: حل مجلس الشعب وترتيب وضع المجلس الجديد ــ اتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة استحقاقات الانتخابات الرئاسية التى يفترض أن تتم فى سنة 2011، بعد انتهاء الولاية الخامسة للرئيس مبارك ــ الحكومة الجديدة التى يفترض أن تشكل بعد الانتخابات النيابية.
ثمة كم كبير من المعلومات يندرج تحت هذه العناوين، بعضها يتعلق بوجودها والبعض الآخر يتعلق بتفاصيلها. مثلا، فى البدء قيل إنه لا حل لمجلس الشعب، وإنه سيكمل مدّته الطبيعية التى تنتهى فى شهر يونيو عام 2010. ثم حدث تراجع عن النفى. وأصبح الكلام يدور الآن عن موعد الحل وتداعياته. وتذرع المؤيدون لفكرة الحل بأنه صار مطلوبا بعد التعديل الذى أدخل على نظام التمثيل الانتخابى. بحيث خصص 64 مقعدا للنساء،
فى حين قال آخرون صراحة إن السلطة ضاقت ذرعا بوجود 88 عضوا من الإخوان فى المجلس، وإن ترتيب أمر الانتخابات الرئاسية يقتضى التخلص من هذا العدد حتى لا يكون للإخوان كلمة فى ترشيح أى شخص للرئاسة (من الشروط أن يحصل المرشح على تزكية 65 من أعضاء مجلس الشعب). وسمعت من أحد القريبين من «المطبخ» أن الحل سيتم خلال شهر يوليو الحالى، وأن الانتخابات الجديدة ستجرى طبقا للقانون خلال 60 يوما، وربما كان شهر رمضان (آخر أغسطس) هو الموعد المناسب لها.
بل قال صاحبنا إن المطبخ حدد النتائج من الآن بحيث يعطى حزب الوفد 25 مقعدا والتجمع 15مقعدا. ولن يسمح للإخوان بأكثر من عشرة مقاعد، وفهمت من آخرين أن اختيار شهر رمضان لإجراء الانتخابات روعى فيه أن الدوائر تكون هادئة نسبيا نظرا لفتور همّة الناس بسبب الصيام، وأن ذلك «الهدوء» سوف يساعد المسئولين عن العملية على تفصيل النتائج على النحو المرسوم!
وسط اللغط المثار حول حل مجلس الشعب، نشرت «الشروق» خبرا عن اجتماع قريب للهيئة العليا فى الحزب الوطنى للنظر فى ترشيح جمال مبارك للرئاسة. وما إن نشر الخبر حتى صدر أكثر من نفى له، رغم أن مصدره وثيق الصلة بقيادة الحزب، الأمر الذى لا يدع مجالا للشك فى صحته. وأبرزت النفى صحف أخرى، على نحو بدا أن مقصوده يتجاوز الكيد والتراشق المهنى بين المتنافسين، الأمر الذى يمكن تفسيره بأحد احتمالين، إما أن تسريب الخبر كان بمثابة بالونة اختبار لمعرفة صدى الترشيح (علما بأن هناك كلاما آخر عن أن الرئيس مبارك هو الذى سيرشح نفسه) ــ الاحتمال الثانى أن يكون هناك صراع داخل أجنحة الحزب، أحدها سرب خبر الترشيح والثانى سارع إلى نفيه.
أما الحديث عن شكل الحكومة القادمة، فالشائعات بصدده تركز حول شخص رئيسها، وحظوظ الوزراء الحاليين ــ الواصلين بطبيعة الحال ــ فى خلافة رئيس الوزراء الحالى الدكتور أحمد نظيف، الذى يقال إنه محسوب على جناح دون آخر، وإن مصيره سيحدده الفريق الذى سيكسب الجولة.
ما يهمنى فى هذا كله أنه لا يوجد موقف رسمى واضح، وأن تصريحات المسئولين فى شأن العناوين الثلاثة مائعة وغير واضحة. إذ تفتح الباب على كل الاحتمالات، فى حين تحيل الأمر إلى قرار الرئيس فى نهاية المطاف. وهى تصريحات تهدر قيمة الشفافية وتفضح هامشية الدور الذى تقوم به مؤسسات الدولة، التى تبين أنها جميعا تنتظر ــ مثلنا ــ قرار الحضرة العلية، الأمر الذى يحيط المستقبل بهالة كثيفة من الغموض. وهو ما اعتدناه فى مصر، التى تحولت فيها السياسة إلى فن إخفاء الحقائق عن الناس وتعليق مصيرهم على قرار علوى فردى. يذكرنا المشهد بما قاله تشرشل يوما ما عن الاتحاد السوفييتى حين وصفه بأنه «لغز مغلَّف بلغز آخر داخل أحجبة محكمة». إن التاريخ يعيد نفسه أحيانا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق