الثلاثاء، 28 يوليو 2009

الغارديان البريطانية تتناول الصراع على الرئاسة ومصالح النخبة

تحت عنوان " صراع القمة في مصر"، تعد صحيفة الغارديان البريطانية في عددها الصادر اليوم الثلاثاء تقريرا ً مثيرا ً ومطولا ً حول ما بدأ يتردد بشكل مكثف خلال الآونة الأخيرة من تكهنات وأحاديث حول المستقبل السياسي للبلاد، وتأكد الصحيفة على أن العراك الانتخابي الذي تتناثر حوله الشائعات خلال هذه الأثناء من المنتظر أن يتحول إلى صراع حقيقي بداخل الحزب الحاكم حول مدى القدرة على حماية مصالح النخبة في البلاد. وتقول الصحيفة في البداية أنه وبالرغم من أن الأجواء الحالية في البلاد تشير إلى أن الرئيس مبارك سيظل في منصبه حتى النهاية، إلا أن دقات طبول الخلافة الرئاسية بدأت تعلو بصورة متزايدة خلال الأسابيع الأخيرة.

ومضت الصحيفة إلى القول بأن الرئيس مبارك، الذي يبلغ من العمر الآن 81 عاماً، أصبح يغيب أكثر من أي وقت مضى عن مناحي القيادة اليومية للبلاد، وهو ما فتح الباب أمام تزايد موجة التكهنات الخاصة باحتمال حدوث تغيير وشيك في السلطة خلال الفترة المقبلة. ثم انتقلت الصحيفة لتشير إلى أنه وبرغم ترشيح الرئيس لنجله جمال في عام 2002 كي يصبح أميناً عاماً للجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، وما عقب هذا الترشيح من موجات جدل حول اعتزام الرئيس تأهيل ابنه لخلافته في الحكم، إلا أن تلك الخطوة لم تكن الوحيدة التي أثارت التكهنات بشأن هذه الاحتمالية المستقبلية، فالشيء الأكثر أهمية، وفقا ً للصحيفة، هو أن تعيين جمال في هذا المنصب جاء ليعكس اتجاها أوسع في النطاق حول ذلك الأمر بداخل الحكومة، مع أفراد الحرس القديم الموجه على الصعيد المحلي والذي يخضع لهيمنة الجيش، والذي يفسح المجال تدريجيا ً لأحد الليبراليين الجدد من أصحاب الفكر التجاري، المتجسد في صورة جمال مبارك نفسه.

ثم أشارت الصحيفة إلى أن صعود هؤلاء الشبان إلى المناصب القيادية لعب دوراً في زيادة حدة المواجهة بين الحكومة والشعب في عام 2004، حينما قامت الحكومة الجديدة وقتها، والتي كانت تتكون في الأساس من أعضاء لجنة السياسات التي يترأسها جمال مبارك، في بدء سلسلة من "إصلاحات الأسواق الحرة" المثيرة للجدل، والتي لاقت استحسانا ً وإشادة من جانب صندوق النقد الدولي، لكنها تسببت في تعميق الهوة الواسعة بين الفقراء والأغنياء في مصر، وأزادت من المشاعر المناهضة لمبارك. ثم أشارت الصحيفة إلى أن مهندسي التحول الاقتصادي للبلاد لم ينزعجوا كثيرا ً من المعارضة الداخلية لتلك الإصلاحات، في الوقت الذي كانت فيه الزمرة الشابة المثقفة دوليا ً أكثر اهتماما ً بالطريقة التي يُنظر بها إليهم في كل من لندن وواشنطن، وذلك أكثر مما يقوله الناس في أسيوط وطنطا.

ونوهت الصحيفة لما تشهده الساحة الآن من مستجدات، تدل على أن الصراع على الانتخابات الرئاسية المقبلة قد بدأ يتمحور بالفعل. فتشير إلى وجود مرشح آخر لا يقل في الأهمية عن جمال مبارك، هو اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات العامة وأبرز المفاوضين المصريين في جهود الوساطة التي تبذلها مصر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية. كما تتطرق الصحيفة إلى وجود نوع من الحرب الإعلامية المتعلقة بهذا الأمر، فتشير إلى أن هناك موقع إلكتروني مجهول يقدم تأييده لسليمان كي يتولى منصب الرئاسة، وقد نشر الشهر الماضي عبارات تقول ( لا لجمال.. ولا للإخوان ). وتحدثت الصحيفة أيضا ً عن عنصر التوقيت، مشيرة ً إلى ما زعمته صحيفة الشروق اليومية المصرية عن أن المكتب السياسي للحزب الوطني قد عقد اجتماعا ً من أجل اختيار مرشح الحزب لانتخابات الرئاسة المقبلة، وقالت أن هذا الخبر تسبب في نشوب موجة من الإثارة فيما يتعلق بتنامي سباق حقيقي على الخلافة في مصر.
وقالت الصحيفة أنه وبالرغم من حالة الغموض التي تحيط بمصدر هذا الموقع الإلكتروني الداعم لسليمان، إلا أنه قد يكون بالون اختبار من جانب مستشاريه لمعرفة ردود الفعل الشعبية المحتملة إذا ما ترشح للانتخابات الرئاسية، أو قد يكون عملية تضليلية من جانب مساعدي جمال، أو قد يكون بالفعل عمل أحد المراهقين المهتمين بالإنترنت. لكن، وبغض النظر عن الجهة المسؤولة عنه، إلا أن مجموعات الشباب المؤيدة للحزب الوطني لم تفوت الفرصة، حيث ظهرت على شبكة التواصل الاجتماعي الأشهر حول العالم "فيس بوك" العديد من المجموعات الداعمة لانتخاب جمال رئيسا ً للبلاد، والتي كان من بينها مجموعتين هما " ترشيح جمال مبارك للرئاسة.. توسيع للحلم المصري" و "محبي وأنصار جمال مبارك". وهو ما رأته الصحيفة سببا ً وراء إقدام العديد من المنافذ الإخبارية العالمية مثل صحيفة التايمز الايرلندية للحديث عن تزايد فرص نشوب معركة حامية الوطيس لنيل هذا المنصب الرفيع.

كما تشير الصحيفة في جزئية أخرى إلى أنه وفي حالة موافقة النخبة الحاكمة بشكل مقصود على سليمان، فإن ذلك قد لا يعود إلى أن كثيرين من القيادات العليا في الحزب الوطني الحاكم يرون أن سليمان، 76 عاما ً، هو بالفعل الرئيس المستقبلي للبلاد. وإنما التفسير الأكثر عقلانية هنا هو أن الجيش – أقوى مؤسسة في مصر من الناحيتين السياسية والاقتصادية منذ ثورة عام 1952 – يستعرض قوته عن طريق دعمه لسليمان كبديل لخطة الخلافة الوراثية الخاصة بالرئيس مبارك، آملا ً في أن يكون ذلك تذكيرا ً لجمال بأنه لن يتمكن من تجريد الحرس القديم من امتيازاته الراسخة في حقبة ما بعد الرئيس مبارك.

كما انتقلت الصحيفة لتشير إلى أن ما تشهده الساحة السياسية في مصر من مستجدات تبين أن محور السلطة في القاهرة من النوع المتحرك وليس من النوع الثابت. فقد كان هناك تحولا ً أساسيا ً في السلطة على مدار العشرة أعوام الماضية من حقبة جنرالات الدولة إلى الاقتصاديين ورجال الأعمال المحيطين بجمال مبارك. لكن عندما يأتي الأمر لموضوع الرئاسة، يصبح مصدر القلق الوحيد لدى النخبة السياسية والاقتصادية في مصر – وهم الفئة التي تفر من وسط المدينة بحثا ً عن الأمان في المجتمعات التي يتم عزلها بواسطة بوابات في الصحراء مثل "دريم لاند" و "بيفرلي هيلز" – هو ضمان رخائهم المستقبلي، وفي تلك الجزئية، يبدو أن جمال هو الرهان الأسلم.

وفي النهاية، تنقل الصحيفة عن ديان سينغرمان، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في القاهرة، التي أشارت إلى أن مصر عبارة عن بلد تدار لصالح النخبة، وأنها عبارة عن حلقة من الرأسماليين المستقرين في القاهرة ويحظون بدعم الدولة ويطلقون على أنفسهم الليبراليين أو المتعولمين أو أصحاب الفكر الديمقراطي لأنهم يسهلون عملية الاستثمار الأجنبي في المجال الاقتصادي، حتى في الوقت الذي يصرون فيه على القمع، وتمديد العمل بقانون الطوارئ، بالإضافة لممارسات الشرطة في المجال السياسي.

اعداد أشرف أبوجلالة من القاهرة / إيلاف 28 / 7 / 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق