إبراهيم عيسى يكتب فى الدستور
الحقيقة أن الأجهزة الأمنية في مصر صارت أسيرة جمال مبارك. صحيح أنها لم تطرح مشروع التوريث ولا هي التي اقترحته وأزعم أنها لم تتلق أي أوامر مباشرة بتنفيذه، هي تعلم مشروع جمال مبارك لخلافة والده، ثم إن والده وإن لم يكن قد أملي تعليمات بتنفيذ المخطط فإنه لم يمارس أي مظهر أو سلوك يوحي بأنه ضد نفوذ جمال، ومن هنا فإنها تخدم جمال مبارك حتي تأتي تعليمات جديدة،
وتحولت الأجهزة إلي خدمة يومية مباشرة «ديليفري» لنجل الرئيس تغذيه بالتقارير وتحميه من الأعداء وتضرب له في المنافسين وتجند له وترعي مجنديه، وتشارك في حرق معارضيه أو سجنهم وتضخم من خطر البعض وتحذر من تأثير البعض وتقوم بزراعة المنافقين للابن في مقاعد الدولة مع انسحاب تأثير ونفوذ فريق الحرس القديم الذي يجاهد للبقاء علي قدراته في إقناع أجهزة الأمن بأنه لا يزال علي مكانه ومكانته..
الأمن طبعا يبرر لنفسه تطويع قدراته ومقدرات البلد لصالح جمال مبارك في أن هذا أمر من الرئيس (أو لم يأمر بعكسه) وخدمة للنظام الذي يعمل له وفيه الجهاز الأمني، لكن المؤكد أن مصر دولة أمنية بوليسية كل ما فيها يتحرك بإذن الأمن وبموافقته ولا يملك معيد أن يتعين في كلية أو عمدة في قرية أو مدير في وظيفة أو مذيع في محطة إلا بموافقة الأمن (أو بعدم ممانعة الأمن) ومن ثم فنجل الرئيس حين يتمكن من توظيف جهاز الأمن فهو يضمن التحكم في البلد لكنه أيضًا لا يضمن حكم البلد!علي الناحية الأخري، أصبح جمال مبارك أسيرًا للأجهزة الأمنية التي تحميه منذ كان في أولي إعدادي ويعيش علي تصديق تقاريرها والعمل وفق تعليماتها ونصائحها ورؤيتها وتقسيمها للجغرافيا السياسية في البلد،
إضافة إلي وقوعه أسيرًا لمجموعة المحيطين به من أباطرة المال ومليارديرات الحزب الوطني الذين يستفيدون من جمال مبارك ويتعاملون معه باعتباره مالك مزرعة السياسة التي تنتج لهم الثروة الأسطورية والنفوذ اللامحدود ومن ثم ينفخون في قدراته وتعظيمه لذاته. المنطق البوليسي إذن هو ما يحكم نجل الرئيس فتحول إلي رجل بوليسي تديره هواجس الأمن وهلاوس التخوين ونظريات المؤامرة ورغبات التصفية وحملات التشويه ويستخدم الاعتقالات وتلفيق القضايا وسيلة أساسية رئيسية للخلاص من خصومه أو ضعضعة أعدائه
وإذا كان جزء من حملة ترويج التوريث الفاشلة قائمًا علي أنه رجل مدني وليس رجلا عسكريا فإن الحقيقة تؤكد أن الرجل العسكري أرحم مليون مرة من الرجل البوليسي!جمال مبارك رجل القلعة المعزول عن الناس والمفصول عن الواقع، سيستمر في مخططه الحالم (أو الواهم) نحو مقعد رئاسة مصر والذي يسعي له بمؤهل واحد هو الحامض النووي وأستطيع أن أقول بكل ثقة مؤسفة إنه لا أمل للحظة إفاقة وصدق للنجل،
فإن نجح مخطط التوريث فستتلقي مصر أكبر صدمة في حياتها حيث سيحكمها رجل لا يعرف شعبها، وتعرَّف عليه في التليفزيون ومؤتمرات الأمن ومن مسلسلات يسرا والفخراني وحواديت أصدقائه عن الخدم والموظفين...! وإن فشل مخطط التوريث سيكتشف جمال مبارك أنه كان يعيش في كذبة ليساعده الله يومها علي تحمل صدمة اكتشافها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق