فهمى هويدى يكتب فى الشروق ....
تحيرنا تصريحات السيد عمرو موسى، وتحزننا فى ذات الوقت. تحيرنا لأنها تقدم لنا صورة أخرى لموقفه، مختلفة عن تلك التى استقرت فى أذهاننا له، بحيث لم نعد نعرف ما هو الوجه الحقيقى له. وهى تحزننا أيضا لأن عمرو الأخير يمثل تراجعا عن عمرو الأول. حتى بتنا نخشى أن يكون الذى قدرناه واحتفينا به فى الرجل كان الصورة الملونة وليس الأصل.
ولا أحد يستطيع أن ينسى موقفه فى مؤتمر دافوس، حين انسحب فى إحدى الجلسات العلنية رئيس الوزراء التركى الطيب أردوغان غضبا لفلسطين بعد حديث الرئيس الإسرائيلى شمعون بيريز، فى حين ظل السيد عمرو موسى قاعدا، مستجيبا لإيماءة من الأمين العام للأمم المتحدة. وإن بدا المشهد محرجا له، فإنه كان أيضا معبرا عن الموقف العربى الهزيل، الذى ظل الأمين العام للجامعة العربية حريصا على الالتزام به وعدم التمايز عنه. الذى جر هذا الكلام وذكرنا بالذى مضى.
هو التصريحات التى أبرزها الأهرام له على الصفحة الأولى من عدد الأربعاء الماضى (12/ 8) بخصوص القضية الفلسطينية، وذكر فيها السيد عمرو موسى النقاط التالية:
ــ إن الإيقاف الكامل لجميع الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية فى الضفة الغربية يشكل خطوة حاسمة لا يمكن الاستغناء عنها لإيجاد سلام دائم فى الشرق الأوسط. ــ إن الحكومة الإسرائيلية الحالية مطالبة بإعلان موقف واضح وصريح من الدولة الفلسطينية، والاعتراف بعاصمتها المستقبلية. ــ إن الموقف العربى معلن من المبادرة العربية، وأن الدول العربية مستعدة للوفاء بالتزاماتها وفقا لهذه المبادرة. ــ إن العرب لن يقدموا قربانا مجانيا لإسرائيل دون الوقف الكامل للاستيطان ( الإشارة مقصود بها دعوة التطبيع قبل الحل التى يصر عليها أعضاء الكونجرس الأمريكى).
ــ إن الالتزامات المتقابلة هى الطريق الصحيح لإحلال السلام العادل والدائم فى المنطقة. لا أخفى أننى شعرت بالغيظ وخيبة الأمل، حين قرأت هذا الكلام، وأسبابى فى ذلك هى:
ــ إن الأمين العام لجامعة الدول العربية لم يشر بكلمة إلى الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، ولا إلى الحصار الذى تفرضه إسرائيل على مليون ونصف مليون فلسطينى فى غزة. ــ إنه جعل وقف الأنشطة الاستيطانية هو الموضوع الأساسى، بما أعطى انطباعا بالموافقة على بقاء المستوطنات الموجودة المقامة فوق الأرض المحتلة، والتركيز فقط على الأنشطة المستجدة،
وهو فى ذلك تنازل عن فكرة تفكيك المستوطنات استنادا إلى قرار محكمة العدل الدولية ونصوص القانون الدولى التى تنص على بطلان إجراءات تغيير الأوضاع الجغرافية للأراضى المحتلة. ــ إن حديثه عن مبادرة قمة بيروت انصب على التزامات الدول العربية، وسكت عن شرط الوفاء بالالتزامات الذى نصت عليه المبادرة، المتمثل فى الانسحاب الكامل من الأراضى المحتلة عام 67 ومن الجولان والأراضى اللبنانية.
وحين أراد أن يبدو حازما فإنه قال إن العرب لن يقدموا شيئا دون الوقف الكامل للاستيطان، متراجعا عن شرط الانسحاب الكامل الذى نصت عليه المبادرة. ــ إن كلامه عن الالتزامات المتقابلة كطريق لإحلال السلام، يكاد يقترب من الموقف الإسرائيلى الذى يدعى أن إسرائيل لن تعطى إلا بقدر ما تأخذ، وهو المنطق الذى يساوى بين الجانى والمجنى عليه، والقاتل والقتيل.
ــ إن مطالبته إسرائيل بضرورة إعلان موقف من الدولة الفلسطينية خلا من أى إشارة إلى حقوق وحدود تلك الدولة التى تريدها إسرائيل منزوعة السلاح ومشلولة الحركة ومقامة ضمن حدود مؤقتة، ثم إنه ضنّ على فلسطين بذكر كلمة القدس (حتى الشرقية منها) كعاصمة للدولة، واكتفى بالحديث عن الاعتراف بالعاصمة «المستقبلية» فى تجهيل غير مبرر، يمثل تراجعا جديدا عن الموقف العربى المتعارف عليه. هذه الخلفية تعنى أمرين، أولهما أن السيد عمرو موسى خفض كثيرا من سقف تطلعاته على نحو بدا فيه أقرب إلى سقف الموقف الأمريكى الذى ابتدع تجميد المستوطنات مقابل التطبيع، منه إلى مستوى الطموح العربى.
أما الأمر الثانى فهو أن الرجل بخطابه هذا قدم استقالته من المكانة التى حفرها فى ضمير الأمة، التى رأت فيه أملا ورمزا يوما ما، وآثر أن يعبر عن وهن حكوماتها، متشبثا بموقفه فى واجهة النظام العربى المتهالك ــ وا أسفاه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق