الاثنين، 14 سبتمبر 2009

بدأت بـ «إدبح يا زكي قدرة» وانتهت بـ «إقفل يا زكي قدرة»!

إبراهيم عيسى يكتب فى الدستور /

يبدو أن كلمة أو جملة صدرت من الرئيس مبارك في اجتماعه مع وزرائه نهاية الأسبوع الماضي، تفيد أو تشير بتأجيل الدراسة أو ظن المستمعون لها أن الرئيس يريد تأجيل الدراسة، هي السبب وراء هذه الرغبة المحمومة لدي الجهات المسئولة والإعلامية لتأجيل الدراسة، وهو شيء يشبه جملتين من الرئيس مبارك عند بداية أزمة إنفلونزا الخنازير علي إثرهما قرروا إعدام الخنازير بمنتهي العشوائية والارتباك والفوضي وغياب العقل والمنطق والحماس المهووس في التنفيذ وعدم إدراك العواقب، فانتهي الأمر إلي أن مصر «غطست» في الزبالة،

مما ينذر بما هو أشد وبالاً من المرض والقرف، لكن ساعتها كان حماس الجهات كلها لتنفيذ تعليمات الرئيس دون مناقشته ولا عرض رأي الخبراء ولا دراسة جوانب الموضوع وتبعاته، أبدًا موظفون منافقون ملهوفون علي تنفيذ أوامر رئيسهم دون أي ذرة من منطق ولا قدرة علي ديمقراطية الاختلاف ولا استماع لأصوات أخري إلا صوت الرئيس!

الآن يتكرر السيناريو، فقد فهمت الجماعة الحاكمة أن الرئيس متحمس لتأجيل الدراسة خشية انتشار وباء الإنفلونزا فسارع التنفيذيون والموظفون وطالبو الرضا في التأجيل والحماس والتحميس لمزيد من التأجيل دون أن يسألوا أهل العلم والاختصاص ودون حتي أن يسألوا أنفسهم: وماذا بعد التأجيل؟ وما تبعاته؟ وهل سينتهي الأمر إلي زبالة أخري من نوع آخر تملأ حياتنا كما جري مع القرار العبثي والعشوائي بإعدام الخنازير آكلة الزبالة؟!

طبعا لا أحد يقلل من خطورة انتشار وباء ومن ضرورة وقاية وحماية الناس من هذا الخطر، لكن السؤال: هل هذه الحكومة فعلاً مؤتمنة عقليًا علي هذه المهمة إذا كانت هي نفسها التي تتصرف عشوائيا وبمنتهي التخبط والتردد وبتعليمات رئاسية من وحي الخاطر دون مناقشة الرئيس، بل الاستماع لرأيه كأنه حتم القدر ووحي السماء!

فالحاصل أن طلبة المدارس حين يتوقفون عن الذهاب للمدارس فهي أعز حاجة عند الطلبة الذين يغيبون فعلا عن المدارس من أول أسبوع، لكنهم يذهبون إلي مئات من مراكز الدروس الخصوصية، وهي غير مجهزة من حيث التهوية ولا المساحة ولا أي حاجة، ومن ثم تجد خمسين طالبًا في غرفة أربعة أمتار فيما هو أسوأ من أي فصل دراسي ، ثم هناك آلاف من بيوت مدرسي الدروس الخصوصية في الأقاليم والعاصمة،

حيث يتكدس منذ شهر طلبة الثانوية في غرف غير صحية وتجد بالستين والسبعين طالبًا في حجرة ضيقة مع مدرسهم وأنفاس كل طالب في أنوف زملائه وتسمع مائتي كحة وعطسة في الساعة، أما الأطفال فهم يذهبون للحضانات، لأن الأمهات لن يستقلن من عملهن من أجل الإنفلونزا، فالناس تخاف من الوباء فعلا، لكنها أيضا تخاف من الفقر ومن انقطاع الرزق! ثم إن المدارس الدولية «الأمريكية والبريطانية وغيرها» تعمل وكأننا نقول لطلاب هذه المدارس إنتم من حقكم تتعلموا وتروحوا مدارسكم، بينما الطلبة بتوعنا فهم طبقة أفقر ومعندهمش تعليم أساسًا يبقي مفيش داعي يروحوا المدارس!

ثم إن طلبة الجامعات لو تأجلت دراستهم فما الذي سيفعلونه ؟ طبعًا سنراهم في المقاهي مع الشيشة ومع زحام الكافيهات وعلي النواصي وفي الأندية وفي السينمات وفي مباريات الأهلي والزمالك أو حتي في المساجد وكلها أماكن تجمعات حاشدة تكفي للمرض والإمراض ! فضلا عن الآثار الاجتماعية والنفسية علي شباب في أجازة تطول شهورا بلا شغلة ولا مشغلة فخذ عندك تحرش واحتكاكات وعدوانية وخناقات منزلية وشوارعية !!

إذن تأجيل الدراسة هو مجرد مظهر من مظاهر ادعاء الحماية، وهو أمر زائف ودعائي والتعرض للإنفلونزا والعدوي بها وارد تماما لنفس الطلبة أثناء تعطلهم عن الدراسة، فالواجب هو حمايتهم خلال الدراسة والتعلم والتعليم وليس بإلقائهم في الشارع وعلي النواصي بحجة حمايتهم،

لكن الأمر كله كاشف لغياب أي احترام أو تقدير للتعليم في مصر، فالحكومة تستخف بأهمية الدراسة في المدارس وتتعامل مع بدائل مصرية «تفطس» من الضحك وهي القنوات التليفزيونية واختصار المناهج، وكأن التعليم صار فعلاً امتحانات وشهادات وليست عملية أبعد من ذلك وأعمق من هذا، العالم كله يذهب إلي المدارس، وحين وجود أزمة يعالجونها بشكل سريع وفوري ومتعقل، بينما نحن في مصر انتقلنا في أزمة إنفلونزا الخنازير من ادبح يا زكي قدرة إلي اقفل يا زكي قدرة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق