الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

تعيش أبو الريش !

إبراهيم عيسى يكتب فى الدستور /

لا أريد أن أزعج أصدقائي الرائعين والمخلصين في مستشفي 57357 بتلك الأسئلة التي قد يعتبرونها جرحا لجهودهم وإنجازهم، لكنني في الحقيقة مذهول من الإفراط في الإعلان عن هذا المستشفي وكأننا لم نعد نعرف قيمة العمل في صمت، فضلا عن أن هذا التفاخر يحمل شيئا من المن والأذي، والدعوة للتصدق بدت وكأنها ابتزاز عاطفي،

ثم كأننا في مزاد تسول من أجل مستشفي، والذي يجعل الانزعاج أكثر شرعية في الواقع هو هذا الظهور الملح للأطفال في إعلانات المستشفي، وهو ما أعتقده انتهاكا لخصوصية المرضي وللأطفال خصوصا، ولا يصح أبدا استخدام هؤلاء الأطفال ومرضهم لدعم فكرة التبرع والدعوة للتصدق وللزكاة فهذا استغلال للطفولة وللمرض يتم ربما بدون قصد لكن النوايا الحسنة لا تبرر الانتهاكات السيئة،

طبعا لن أسأل الأسئلة السخيفة التي سمعتها من كثيرين عن حجم الإنفاق المالي علي إعلانات المستشفي في كل الفضائيات وهل هي مدفوعة الأجر، وإن كان كذلك فكم تكلفت ؟ ولماذا أساسا أذيعت فالذين يريدون وجه الله لن يبحثوا عن مسالك التصدق في التليفزيونات ؟ وهل مصاريف الإعلانات من مجمل التبرعات ؟ أم أنها تبرع آخر من آخرين؟..

هذه أسئلة سخيفة وإن كنت أعتقد أن سخافتها لا تمنع الجواب عنها، لكن هذه مناسبة كي أعلن انحيازي لمستشفي آخر عظيم يعمل في صمت وفي شقاء وبإمكانيات شبه معدومة ولا أري له إعلانات ولا يتباهي بما يفعله ولا يطارد الناس بالحديث عن روعته وجماله ونظافته وعدالته ومساواته بين الأغنياء والفقراء، فهذا المستشفي يخدم الفقراء الذين لا ظهر لهم، (والأغنياء قطعا إن أرادوا ) إنه مستشفي أبو الريش الجامعي للأطفال،

ولا أظن أنك شاهدته في إعلان أو وقف أمام بوابته واحد من مشاهير البلد يمتدح فيه ويتحدث عنه كأن وجوده معجزة كونية تستغرب وجودها في مصر، مستشفي أبو الريش يتكون من ثلاثة مستشفيات يكمل كل منها الآخر؛ المستشفي الأساسي ( المنيرة) والياباني التخصصي، والمركز الطبي الوقائي . ويشكل ذلك المستشفي أكبر مستشفيات مصر لعلاج الأطفال علي الإطلاق وهو مستشفي يتبع القطاع التعليمي بوزارة التعليم العالي،

تخيل أنه يضم خمسين عيادة خارجية لجميع التخصصات الطبية، وهو عدد من العيادات هائل وضخم، فضلا عن أن المستشفي يستقبل سنويا مايعادل أربعمائة واثنين وسبعين ألفا ومائة وتسعة وتسعين طفلا، يعني مستشفي يستقبل يوميا حوالي ألف وخمسمائة وخمسة وسبعين طفلا، متخيل العدد !!، مقدر الجهد والتعب والتوتر والعبء والمهمة والمسئولية والنشاط، طيب لو عرفت أن هذا المستشفي يستقبل مليون طفل سنويا،

لو أضفت عدد المترددين علي العيادات الخارجية فضلا عن المترددين علي أقسام الطوارئ والاستقبال (171 ألفاً و38 طفلاً سنويًا).

هذا المستشفي الذي يستقبل مليون طفلا سنويا يعاني من قلة التمويل وندرة التبرعات خاصة أن المستشفي لايستطيع استيعاب نظريا سوي 150 ألف طفل سنويا، ولاحظ معي أن 80% من الأطفال الذين يتم علاجهم في مستشفي أبوالريش قادمون من المحافظات التي تعاني نقص مستشفيات الأطفال التابعة لوزارة الصحة،

ويعالج المليون طفل حوالي 600 طبيب مقيم (مع عدد كبير من أعضاء هيئة تدريس طب قصر العيني طبعا ) هؤلاء مع 800 سرير في هذا المستشفي مع وحدات زراعة الكلي والكبد وعمليات جراحة المخ والأعصاب وزراعة العظام وعمليات القلب المفتوح للأطفال،

بينما ميزانيته لا تصل إلي عشرة ملايين جنيه ( رقم لا يساوي نفقات حملة إعلانية في كل الفضائيات في شهر رمضان !!) فضلا عن أن التبرعات العينية لهذا المستشفي لا تتجاوز 35%، في الوقت الذي تجري فيه 550 عملية جراحة قلب أطفال، 65% منها جراحات قلب مفتوح،

بالإضافه إلي 1600عملية مخ وأعصاب، وإجمالي العمليات 7300 عملية سنويا شاملة العمليات الجراحية بالجهاز الهضمي وزراعة الكلي والكبد والعظام والعيون والمسالك البولية.. الحقيقة أن مستشفي أبوالريش ليس مجرد مستشفي ...إنه مصر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق