فهمى هويدى يكتب فى الشروق /
الجامعة العربية تابعت «بغضب شديد وقلق كبير العدوان الصارخ والمبيت على المسجد الأقصى» والحكومة الأردنية «أدانت بشدة وشجبت واستنكرت»، واستدعت القائم بالأعمال الإسرائيلى فى عمان وطلبت إليه نقل الاحتجاج إلى حكومته. مصر سكتت
ولم تقل شيئا. وغاية ما ذهب إليه بيان جامعة الدول العربية أنه طالب مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والرباعية الدولية «بالتدخل الفورى لوقف الانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة للمسجد الأقصى». هذه أهم الأصداء التى اعقبت محاولة اقتحام المسجد الأقصى من جانب 150 من المتطرفين الإسرائىليين، عشيَّة عيد الغفران (يوم كيبور) التى تزامنت مع ذكرى اندلاع انتفاضة الأقصى فى سنة 2000.
وهى التى اعقبت اقتحام رئيس الوزراء الأسبق آريل شارون للمسجد وسط حراسة مشددة.
المقدسيون العزل هم الذين أوقفوا الاقتحام الأخير. حموا المسجد بأجسادهم وهاجموا المتطرفين اليهود بالحجارة والأحذية والكراسى. كما ذكرت التقارير الصحفية. لم ينتظروا تدخلا من الأمم المتحدة أو الرباعية الدولية، ولم يعلقوا أملا على أى موقف عربى،
خرجوا منذ الصباح الباكر لحماية المسجد، بعدما دخل المتطرفون اليهود إلى باحته متنكرين على هيئة سياح. رشقهم الفلسطينيون بكل ما طالته أيديهم حتى صدوهم وردوهم على أعقابهم، وأمطرتهم الشرطة التى كانت تحمى المستوطنين بالرصاص المطاطى. مما أدى إلى إصابة 40 فلسطينيا، منهم اثنان فى حالة خطرة، إضافة إلى تسعة من رجال الشرطة الإسرائيليين.
ما حدث للمسجد الأقصى جزء من حملة تهويد مدينة القدس التى تدعى إسرائيل أنها خارج المناقشة ولا مجال للتفاوض بشأنها. وهى المدينة التى أثبتت الدراسات أنه حتى بداية القرن السابع عشر الميلادى لم يكن اليهود يملكون شبرا فيها. ومن وجد منهم بها كان مستأجرا فقط، سواء للدور أو الدكاكين،
حتى مقابر اليهود كانت مؤجرة لهم من دائرة الأوقاف الإسلامية. وللعلم، فإن شعار «إن نسيتك يا أورشليم فلتشل يمينى» هو من العبارات الصليبية التى أطلقها حاكم عكا الفرنجى قبل رحيله، ولكن الحركة الصهيونية اختطفتها وزيفتها لصالح مشروعها فى فلسطين.
إن عملية الحفر التى تهدد أساسات المسجد الأقصى مستمرة على قدم وساق. وحصار الحرم بمائة كنيس وسبع حدائق «توراتية» ومنتزهات من كل صوب يسهم فى تهيئة المسرح لبناء ما يسمونه هيكل سليمان الذى فشلوا فى العثور على أى دليل أو أثر له.
أما عمليات الاستيلاء على بيوت الفلسطينيين وهدم ما بنى منها فهى من تجليات التطهير العرقى الذى يمارس فى المدينة على مرأى ومسمع من الجميع. فى ذات الوقت تستمر إسرائيل فى إقامة مستوطنة فى قلب البلدة القديمة تحدثت عنها صحيفة «هاآرتس» هذا الأسبوع. وهذا التسارع والتصميم على تهويد القدس هو إحدى حلقات تصفية القضية التى تتابع أمام أعيننا، دون أن يستثير غضب السلطة الفلسطينية أو يحرك شيئا لدى النظم العربية أو الإسلامية.
إن استمرار الاستعانة بالمجتمع الدولى والرباعية سيئة الذكر هو فى حقيقة الأمر ضوء أخضر للإسرائىليين لكى يستمروا فى
مخططاتهم، لأنه يعنى أن «السلطة» مستعدة لغض الطرف عما يجرى، وان الأنظمة العربية انسحبت من الموضوع ولم تعد مستعدة لفعل أى شىء، حتى على المستوى الدبلوماسى أو القانونى، رغم أنها تملك الكثير على هذين الصعيدين.
فى زمن النخوة قامت الدنيا ولم تقعد حين جرت محاولة إحراق منبر المسجد الأقصى فى سنة 69، مما استدعى عقد القمة الإسلامية وإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامى وتشكيل لجنة القدس. وبمضى الوقت ثبت أن الشىء الذى لم يعد متوافرا هو إرادة الدفاع عن القضية وعن أمن الأمة. ولذلك لم يكن غريبا أن يهب الفلسطينيون للدفاع عن المسجد الأقصى بأجسادهم، وبالحجارة والأحذية والكراسى.
إن الأنظمة العربية لم تعد مؤتمنة على قضايا المصير، ولم يعد أمام شعوبنا العزلاء التى لم تهزم بعد سوى أن تدافع عنها بأجسادها وصدورها العارية، على الأقل حتى يأذن الله بفرج من عنده.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق