بقلم الصحفي محمـود خلوف رئيس تحرير جريدة رواج سابقا
يطل علينا، منذ تأجيل تقرير جولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ثلة من الصحفيين ورؤساء تحرير صحف خاصة وحزبية، تتهجم...تخون...تمتهن اللعب في الكلمات، وتحريف الحقائق، وإظهار الشائعات كحقائق، وتعتمد على مصادر صهيونية هدفها الأول والأخير استمرار الاحتلال والانقسام.
وربما كان من أبرز المزاودات على القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، ما نشر يومي الجمعة التاسع من أكتوبر، والأحد الحادي عشر من أكتوبر من قبل رئيس تحرير صحيفة حزبية مصرية، وآخر لجريدة خاصة.
واللافت أنهما قدما نفسيهما بأنهما مدرسة في الخلق الحسن والوطنية، والإخلاص لفلسطين، ووجها التهم جزافا يمينا ويسارا، فأحدهما نصب نفسه مكان شعب فلسطين الذي يعد عشرة ملايين نسمة في الوطن والشتات، وطالب الرئيس المنتخب بالرحيل، بل الأخطر من ذلك طالبه بالانتحار، وقدم نفسه أيضا كأستاذ يعطي الآخرين دروسا في الشرف والوطنية، وهو يعلم أن القيادة الفلسطينية ناضلت وتناضل منذ خمسة عقود وتعبر نفسها مشاريع شهادة دفاعا عن الوطن.
أما الآخر، فتحدث معتمدا في تحليه على"قراءة الفنجان"، و"والفتح بالمندل" والخزعبلات، والخرافات، وكان أسلوبه سوقيا بحتا، لا يليق برئيس تحرير، أقسم قسم الإخلاص للمهنة، والأصل يعرف أنه من أسس العمل الصحفي، تزويد المتلقي بالمعلومة الصحيحة وليس السير وراء الأهواء وتزوير الحقائق، وإظهار الشائعات وكأنها حقائق.
لقد ادعى بأن الرئيس أبو مازن باع فلسطين من أجل شركة نقال هي لنجله، وجاء كلامه بعد يومين من مؤتمر صحفي موسع أظهر فيه عدد من المحامين وبالوثائق زيف هذا الادعاء بإظهار تقرير مراقب الشركات، وأسماء المساهمين..!!.
واللافت أن من يزاود اليوم ويخون، ويتهم ويشهر، هو ممن أثبتت الوثائق سابقا بأنه تاجر كوبونات البترول، وأنه رهن موقفه بنظام البعث البائد في العراق...
أما الأخر فربما كان وصف احد الصحفيين هو الأعمق عندما قال عنه كـ"الحرباة" يوما تجده قوميا ويوما يساريا، ويوما لا لون له ولا رائحة تسوقه مصالحه، ويتعامل بـ"البزنس".
وللأمانة ليس حكمي هنا جزافا، ولم يأتي كلامي من فراغ، بل أن ما كتبه سين وصاد ضد القيادة الفلسطينية، دفعني للسؤال عن تاريخهم..لعلهم فعلا يكونون قدوة حسنة، ولكن ما شاء الله كانت سمعتهم "مشرفة"!!، حتى أن أحد كبار الصحفيين المصريين، وهو أفضل من التقيت بهم طيلة مشواري المهني من حيث الصدق والأمانة والالتزام بأخلاقيات المهنة، قال: "رائحتهم فاحت من زمان وأوراقهم مكشوفة".
وحتى نعطي الموضوع حقه لا بد من إلقاء نقد سريع لطبيعة الأساليب المستخدمة في تغطية القضايا المتعلقة بتأجيل التقرير وتبعاته في الصحف المصرية ووسائل الإعلام العربية، فكم كنت متألما كصحفي وباحث في الدراسات الإعلامية عندما ابتعدت غالبية التغطيات عن الأسلوب الصحفي الأمين، واعتمدت بالأساس على نظرية المؤامرة، والمغالاة في الهجوم والتهجم والتشهير.
ولا أدرك كيف يتجرأ صحفي على إيراد معلومات مغلوطة وكاذبة وبالإمكان التأكد من صحتها من عدمه بجهد يسير، وينسبها إلى "مصدر دبلوماسي"، أو "مسؤول عربي"، أو "مسؤول فلسطيني"، مع أنه ينسجها من خياله ويكتبها في ضوء ما يسمعه من خلافات حادة وحملات تشهير ينفذها ساسة عبر القنوات الفضائية؟!!، وهل مهنة الصحافة تحولت إلى دعاية؟!!.
ولا استوعب كيف يقدم شخصا نفسه أستاذا بالوطنية لأناس ضحوا وقاتلوا وكان لهم الدور المباشر في تأسيس الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، في حين أن قدميه لم تغبر ولو للحظة واحدة في ميادين القتال؟!!.
وحتى لا يفهم موقفي خطأ لا بد من الإشارة إلى أنني أضم صوتي لكل من تحفظ ورفض تأجيل مناقشة تقرير جولدستون، ولكن يبقى التخوين خطيئة لا تغتفر لا عند العبد ولا عند الرب، فمن حقنا القول ارتكب خطأ أو ارتكبت خطيئة، وليس من حقنا أن نتهم الآخرين بالخيانة والعمالة، لأن هذا أمر غير معقول ولا مقبول لا أخلاقيا ولا مهنيا.
أبسهولة يتم التنكر لنضال عمره أكثر من أربعين عاما؟!، وهل من الصواب بأن نحول الخطأ الذي يمكن تصويبه إلى خطيئة أو جريمة، ومصدر تأزيم للحالة الفلسطينية المتأزمة أصلا.
بصراحة وكمتابع للأحداث، لا أفهم، ترويج الكذب والإشاعات، وصب الزيت على النار، إلا إن جاء من الأعداء، أما ان يصبح الأشقاء والأصدقاء معول هدم، ومصدرا لتأجيج النار، وزيادة الشرخ، ودفع الفلسطيني لقتل أخيه الفلسطيني، فهذا بتقديري تجاوز لكل القيم القومية والوطنية، وتجاوز لكل الخطوط الحمراء.
ألم يكن الأجدر من رؤساء التحرير وكتاب الأعمدة ومعدي التقارير البعيدة عن المهنية التركيز على القواسم المشتركة، ودفع الشعب الفلسطيني للمصالحة!!، ولم يتم تناسي خطورة عامل الوقت في الصراع مع الاحتلال، وتناسي وجود مليون ونصف مليون فلسطيني يعاني الويلات بسبب الحصار والإغلاق وسياسة إقصاء سلطة الأمر الواقع هناك؟!!.
وبما أن كتاب هذه المواد أظهروا أنفسهم بأنهم الحماة لمصالح شعبنا، فلم تم تناسي مواقف معلنة ومعروفة ولم وقعوا فريسة للدعاية السياسية؟، فهل من الموضوعية مثلا تناسي تصريحات قادة حماس الرافضة في البداية لتقرير جولدستون، واتهام هذا القاضي بالانحياز للصهيونية؟!، وهل من الموضوعية والمهنية إغفال حقيقة أن القيادة التي تتهم بالخيانة من قبلهم هي من ذهبت بالتقرير لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وأنه بملاحقة إسرائيل قضائيا مكسب سياسي ووطني على حد سواء؟!.
أرى كفلسطيني مجروح من سياسات الاحتلال وغطرسته، ومن نار الانقسام وتبعاته، بأنه كان مطلوبا من الصحفيين هؤلاء التركيز على أمرين هما: مطالبة الأشقاء بالتوحد ورص الصفوف والتركيز على القواسم المشتركة وحل مشكلاتهم بالحوار الصريح والعقلاني، والانتباه للقدس والمسجد الأقصى الذي يحترق من نيران جماعات الحقد الصهيونية، فكان مطلوبا منهم بدلا من أن يألبوا القلوب ويشعلوا نار الفتنة، بأن يحشدوا الطاقات للدفاع عن القدس.
وآمل في النهاية بأن ننطلق في عملنا المهني من شعار "لنقل خيرا أو لنصمت"، وأن لا تناسى ان الصحف الإسرائيلية التي اعتمدت في غالبية التقارير لتخوين القيادة، والتهجم عليها بأن هذه الصحف لا تريد الخير لا للعرب ولا لفلسطين، وأن كلامها ليس منزلا من السماء، بل مصدرها الأعداء، ومن يفرحون على فرقتنا وانشغالنا بخلافاتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق