الثلاثاء، 6 أكتوبر 2009

لكننا يستعمرنا الطغيان!


إبراهيم عيسى يكتب فى الدستور

حكومات عربية وأولها السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تواطأت وتسافلت مع أمريكا بتاعة الأخ باراك أوباما، وأجلت مناقشة تقرير الأمم المتحدة الذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في عدوانها علي غزة، ما رأيك في هؤلاء الحكام؟!

في الوقت الذي يتآمرون فيه علي إيران كي يمنعوها من امتلاك قنبلة نووية يسارعون لنجدة مجرمي الحرب في إسرائيل، وينقذونهم من الفضح والتعرية والمحاكمة!!

المشهد كله يعبر عما يفعله بنا حكامنا، فهم يضعون أوطانهم وشعوبهم موضع الضغط والابتزاز وربما الضرب والاحتلال بسبب غياب الديمقراطية عن بلادهم وسيادة الاستبداد المدوي الذي يكسر عينهم أمام أي ضغط أمريكي والانحسار المطلق والتام للانتخابات الحرة التي تتنافس فيها التيارات السياسية والأحزاب بكل ما في الوسع من طاقة وبكل ما في الطاقة من حرية، لكننا أمام تزوير يومي واعتيادي وروتيني لإرادة الأمة وانحدار للديمقراطية، وانهيار في هامش الحريات وسقوط في براثن النفاق وتقديس الرؤساء والملوك حتي يصل بهم الأفاقون من نهَّازي المناصب وسارقي إرادة الناس إلي مصاف الآلهة أو لمكانة الأنبياء حين التواضع والحياء،

ومن ثم سيصبح سهلاً وسلساً جداً وعادياً جداً وطبيعياً للغاية أن تتراجع كل الدول والحكومات العربية كما بدا واضحاً فادحاً في الأيام الأخيرة والليالي السوداء القريبة وتبوس جزمة إسرائيل وأمريكا بالتراجع عن الإصرار والتصميم علي محاكمة مجرمي الحرب في تل أبيب، الأخ مذيع جامعة الدول العربية عمرو موسي قال: «إنه يشعر بالغثيان، نتيجة تأجيل مناقشة تقرير الإدانة لإسرائيل بموافقة دول عربية،

طيب ما تعمل حاجة يا أخا العرب بدلاً من التقيؤ في وجوهنا، ما تقول لحكامك الذين يدفعون راتبك؟ لي نفضح مرة بعد أخري بعد ثالثة وعاشرة خواء سلطتنا العربية وهشاشة تكوينها رغم كل السلطان والجبروت علي الشعوب، وهذا حظ هذه الأمة النكد والنكدة من استعمار أجنبي إلي استعمار وطني! من نهب ثروات البلد بأيدي المستعمرين الأجانب إلي نهب ثروات البلد بأيدي المستبدين الفاسدين القرايب والأبناء.

الأمر كله تجده عند مفكرنا وعالمنا العظيم دكتور جمال حمدان الذي كتب في مجلده الأهم «شخصية مصر» (آفة مصر اثنتان:الطغاة في الداخل والغزاة من الخارج، الديكتاتورية في الداخل والاستعمار من الخارج، هاتان هما نقطتا الضعف الأساسيتان في شخصية مصر، فنحن كشعب نخضع بانتظام لحكامنا الطغاة، وحكامنا يركعون بسهولة للأجانب الغزاة.والاستعمار ولاشك آفة وأفعي، احتلال وطغيان معاً في آن واحد، إلا أنه ليس رأس الأفعي ولا الآفة الوحيدة، كما يروج بعض السطحيين ومنظري عملاء الطغيان،

والحقيقة أننا أسرفنا علي أنفسنا في اتخاذ الاستعمار؛ «كمشجب» نعلق عليه كل مآسينا وعيوبنا، ومشاكلنا سياسية وغير سياسية، أولاً لأنه هدف سهل مباشر مشروع لا شبهة في عدائه وعدوانيته، وثانياً لأننا لا نكاد نجسر علي أن نعلق الجريمة والعقاب في رقبة الطغيان المحلي، لأنه الحاكم المالك وظل الله في أرضه أرض مصر، غير أن الحقيقة التاريخية ـ (لا يزال الكلام لجمال حمدان) ـ التي تثبتها مراراً وتكراراً تجربة ألفي سنة مازالت مستمرة معنا حتي اليوم، الحقيقة التاريخية هي أن كبري الآفتين ليست الاستعمار الأجنبي ولكن الطغيان المحلي،

ذلك أن الذي مكَّن للأول غالباً، بل استدعاه واستعداه أحياناً إنما هو الحكم المطلق الداخلي بعجزه عن حماية الوطن فعلا أو بخيانته له علناً ومساومته وتواطؤه مع المستعمر ليحفظ علي نفسه عرشه أو مركزه، إن الذي أتاح للاستعمار الخارجي أن يدخل ويبقي في كثير من الحالات بصورة غير مباشرة دائماً وبصورة مباشرة أحياناً هو الطغيان الداخلي وحده لا سواه).

خلص كلام دكتور جمال حمدان وأظن أن جريمة حكامنا بالتواطؤ مع إسرائيل الأخيرة كاشفة لما هو مكشوف، وهذا هو قدر أمتنا العربية وما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه اليوم بأول إمبارح!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق