الاثنين، 19 أكتوبر 2009

أول حوار مع الدكتور حسن نافعة بعد اختياره منسقا للحملة المصرية ضد التوريث : مبارك نجح فى تخدير النخبة لربع قرن


حوار: ماهر حسن فى العربى الناصرى /


 
فى مجموعة من مقالاته، عرض الدكتور حسن نافعة لطبيعة المأزق السياسى الذى تعيشه مصر والذى ـ على حد وصفه ـ لم يسبق لمصر أن اجتازته.. فالأفق السياسى مفتوح على كل الاحتمالات دون حسم لموضوع مستقبل الرئاسة فى مصر بل مستقبل مصر ذاته فى المدى المنظور

وفى هذا الحوار أشار الدكتور حسن نافعة، إلى أننا فى عهد عبد الناصر عشنا أربع حروب فضلاً عن حروب الداخل المتمثلة فى مشروع نهضوى كبير ورغم هذه الظروف لم تكن الدولة ومؤسساتها منهارة على النحو الذى وصلنا إليه، فلم تكن هناك أزمة خبز أو مياه ولم يكن التعليم منهاراً ولم يستشر الفساد فى مؤسسات الدولة ولم تكن الخدمة الصحفية منهارة على هذا النحو،

كما لم تكن هناك مشكلة إسكان ولم تواجه مصر مشكلة "الزبالة" وقال إننا إزاء نظام سياسى فاشل بكل المقاييس وعلى كل الأصعدة والفجوة بين الأغنياء والفقراء صارت مرعبة وقال الدكتور نافعة إن السادات كان نائباً للرئيس ناصر فى ظروف خاصة جدا" وكان من الممكن ألا يظل نائباً لو امتد العمر بعبد الناصر.. فربما تغيرت قناعاته وكذلك مبارك.. حيث لم يكن السادات يعرف أن العمر سينتهى به فجأة وعلى هذا فقد كان حكم مصر وما يزال مرهوناً بالتوريث والاختيار الفردى أو القضاء.


وقد التمس نافعة العذر لناصر والسادات لظروفهما الاستثنائية ولكن مبارك حظى بفرصة أفضل من التى حظى بها الرئيسان السابقان لما حظى بمدة حكم أطول بكثير لكنه لم يستثمر هذا ولم يحقق تغييرات جوهرية دستورياً أو تنموياً كما أنه لم يخض معترك السياسة قبل توليه الرئاسة كسابقيه فلا هو مغامر كالسادات ولا هو كاريزما وطنية كعبد الناصر

فمبارك ظل موظفاً منضبطاً جداً لكنه لم يستوعب الدرس وقاد نظام اختلفت خواتيمه عن بداياته.. حيث البداية كانت باعثة على التفاؤل والنهاية تبعث على القلق فهى مفتوحة على أفق مبهم مخيف.. وإلى نص الحوار: 
{ لم نعد نعرف من هو الرئيس القادم وقد تضاربت التكهنات.. والرئيس إلى الآن رغم تقدمه فى العمر لم يعين نائبا ونشعر بأن مصر على شفير بركان كما أن الرئيس فى 2011 سيكون عمره 83 عاما وإذا أكمل ولاية سادسة سيتم التسعين؟


}} رأيى الشخصى إننا إزاء مشهد عبثى يجسد مأزق النظام السياسى المصرى بكل تفاصيله ومعنى أن يكون لدينا نظام سياسى لا نعرف فيه من هو رئيس الدولة القادم فهذه علامة نكوص وموضع استفهام، فقد جرت العادة أن يختار الرئيس نائبًا له فيصبح بالضرورة هو الرئيس القادم بإملاء رئاسي. وهكذا اختار الرئيس عبدالناصر الرئيس السادات نائبا واختار الرئيس السادات الرئيس مبارك ولكن مبارك لم يختر أحدا إلى الآن ومعظمنا لم يعرف لماذا لم يفعل إلى الآن.

                                                غياب مفاجىء


{ معنى هذا أن عبدالناصر فرض علينا الرئيس التالى له؟ 
}} هذا تم فى ظرف استثنائى جدا فلقد كان عبدالناصر فى رحلة إلى المغرب وقيل له إنه قد يواجه مؤامرة تحاك ضده ومن ثم فقد تحسب عبدالناصر ورأى أن يحدد نائباً ليجنب مصر المشاكل التى قد تنجم عن غيابه المفاجئ «إذا حدث» ولظروف شخصية جدا تتعلق بملابسات ما حدث فى نكسة 1967م والظروف النفسية التى مر بها عبدالناصر فإنه كان يجد فى بيت السادات مهربا من هذا

كما كانت السيدة جيهان مضيفة ممتازة جدا، ولم يكن يتصور أحد أن عبدالناصر بعد اختياره للسادات بعام واحد سيختفى وأعتقد أن الأستاذ هيكل قال إن عبدالناصر نسى موضوع النائب ولم يفكر فيه، وربما لو كان عبدالناصر يعلم أن العمر سينتهى به بهذه السرعة وأن عليه أن يختار نائبا له بشكل نهائى لاختار أحدا آخر، ولذلك أقول إن تعيين السادات نائبا تم فى ظروف استثنائية معينة ومن ثم فإن الرحيل المفاجئ لعبدالناصر كان معناه أن القدر أراد للسادات أن يصبح رئيسا لمصر.


{ وماذا عن سيناريو اختيار السادات لمبارك؟ 
}} الأمر نفسه تكرر مع الرئيس السادات فقد اختار مبارك نائباً له وربما كانت لاختياره أسباب لكننى أتصور الشيء نفسه فلم يكن السادات يتوقع أو يتصور أن يموت هذه الميتة العبثية غير المتوقعة بين رجاله وجنده، فقد مات فجأة فى هذا المشهد الدموى وفى تلك الظروف غير الطبيعية، وبالتالى فإن السؤال ذاته يتجدد هل لو علم السادات أن عمره سينتهى بهذه الطريقة ه

ل كان سيستقر بشكل نهائى وقاطع على الرئيس مبارك ومن ثم ـ وعلى هذا النحو ـ فإن حكم مصر كان مرهونا بالتوريث والاختيار الفردى أو بالقضاء والقدر بمعنى إما أن يكون رئيسها باختيار رجل واحد أو بقرار سماوى كرحيل الرئيس ناصر فجأة بموت طبيعى أو رحيل السادات فجأة وبموت غير طبيعي. 
{ وماذا عن الرئيس مبارك؟


}} هو يختلف اختلافا جذريا عن سابقيه «ناصر والسادات» على الأقل فى أمرين أساسيين أولهما أن كليهما كان عضوا فى مجلس قيادة الثورة وعبدالناصر كان زعيما سياسيا صنع ثورة يوليو وخطط لها وكان لديه مشروع سياسى واضح الملامح وإذا نظرنا لعبدالناصر كنمط قيادى تتوفر فيه كاريزما الزعامة فإننى أصنف الرئيس السادات فى خانة «القيادة المغامرة» فقد كانت حياته كلها أشبه بمغامرة عبر خيارات وانتماءات مختلفة فقد كان سياسيا، فى مراحل مبكرة من عمره ربما قبل انضمامه للثورة فقد انتمى للحرس الحديدى واتصل بالألمان وتورط فى مقتل أمين عثمان ثم كانت آخر مغامراته هى ذهابه للقدس

وهذه دفع ثمنها حياته وكلا النمطين أدخلا البلاد فى متاهة كبرى فقد رحل ناصر وإسرائيل تحتل جزءاً كبيراً من أرض مصر والسادات رحل قبل أن يكتمل تحرير الأرض ولكنه أقدم على خطوة أحدثت انقساما عظيما فى الصفين المصرى والعربى بزيارته للقدس كما طال هذا الانقسام النخبة فى مصر، وعندما جاء مبارك تنفس كثيرون الصعداء وقد شاء القدر لهذا البلد أن يتحول بالفعل من نمط القيادة بمواصفات معينة إلى نمط القيادة الذى هو ليس زعيما أو مغامرا أو ينتمى لعالم السياسة ولم يعرف النشاط السياسى فى حياته قط ولم يسبق له أن خرج فى مظاهرة سياسية فى أى من مراحل حياته هو عسكرى خالص،

ومنضبط جدا وصارم جدا فى عمله فى حدود الموظف الذى يريد أن يؤدى وظيفته بكفاءة ثم إنه طيار وعلى هذا فقد رأى الجميع أنه يتميز بصفتين مهمتين هما أنه طيار لا يحتمل عمله الخطأ.. بل يستوجب أقصى درجات الدقة ثم إنه موظف وغير مغامر، وكنا نتصور أنه سيستوعب الدرس وسيعمل فى اتجاه تحديد الولاية الرئاسية. 
{ لقد كنت ممن استبشروا بقدومه خيرا أليس كذلك؟


}} نعم، وتصورت وتصور الكثيرون أنه سيستوعب الدرس وسيعمل فى اتجاه تحديد الولاية الرئاسية، ثم إن خطابه فى البداية كان خطابا جميلا ولم يكن فى البداية ميالاً للظهور الكثيف والأرجح أن الذى كتب هذا الخطاب هو الدكتور أسامة الباز، وكان لدى الرئيس مبارك استعدادا لامتصاص الغضب الشعبى بسبب أحداث سبتمبر الشهيرة التى وضع السادات خلالها رموز العمل الوطنى والصحفى فى السجن قبل أن يقتل بأقل من شهرين فقام مبارك بالإفراج عن هؤلاء وتحدث عن طهارة اليد وعفة اللسان، وقال إن «الكفن بلا جيوب» كانت هذه هى البداية لكننا انتهينا إلى رئيس يجلس على الكرسى 28 عاما أكثر من السادات وناصر معا ثم يتصرف بطريقة فسرتها جميع فصائل النخبة على أنها مشروع لتوريث السلطة لولده.

                                          تخدير النخبة


{ وأين كانت النخبة طوال الثمانية والعشرين عاما هذه؟ 
}} لقد استطاع الرئيس مبارك أن يخدرها تحذيرا شديدا وأن يظل فى السلطة ـ وعلى عكس كل التوقعات ـ لأكثر مما كان يقدره أى إنسان فى مصر والأكثر إثارة للدهشة والتساؤل أنه لا يجد غضاضة فى أن يتخذ إجراءات لقدوم ابنه فتحولت الجمهورية فى عهده إلى ما يشبه الملكية ولذلك فإننى اعتبر أن المشكلة الأساسية هى مشكلة النظام السياسى فى مصر. 


{ وكأنك تلوم الرئيس مبارك على ماآل إليه الحال فى مصر؟ 
}} نعم، أنا شخصيا ألومه فى أشياء كثيرة جداً لأنه كان لديه فرصة لم يحظ بها عبدالناصر ولا السادات على الأقل فإن عبدالناصر أثناء قيامه بمشروعه للنهضة الشديدة الطموح دخل فى معارك شديدة الخطورة ومنها الإصلاح الزراعى وقناة السويس والسد العالى والحرب على أكثر من جبهة. 

أما الرئيس السادات فقد تسلم الحكم حينما كان جزء كبير من الأراض مازال محتلا، وعليه أن يحررها فاجتهد على طريقته رغم أننى كنت ومازلت ضد زيارته للقدس لكن البعض يرى فى تحرير الأرض انجازا كبيرا سواء بالحرب أو بعملية التسوية.


أما الرئيس مبارك فلم يواجه أيا من هذين التحديين، وكانت لديه فرصة حقيقية لإحداث تحولات جذرية حقيقية فهو لم يدخل حربا ولم يتخذ أى قرار يشكل خطورة أو تحديا من أى نوع، بل وحصلت مصر على معونات لم تحصل على مثلها طول تاريخها، وأكثرها من الولايات المتحدة قدرها 1، 2 بليون دولار سنويا منذ بداية 1979 حتى هذه اللحظة

فضلا عن الثورة النفطية ناهيك عن المليارات التى تسربت إلى الخارج، والعوائد التى حولت إلى مصر إذن فقد كان لديه كل العناصر التى تمكنه من أن يحقق هدفين وهما التحول من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية وصولا لنظام ديمقراطى حقيقى وأن يحقق تنمية حقيقية مستديمة ومتنامية فى مصر، فهناك سلام ومعونات وثروات. 
لقد صارت الفجوة بين الأغنياء والفقراء مرعبة ورهيبة،

كما أن جميع أنواع الخدمات منهارة، ومن عاصروا ثورة يوليو يعرفون أن الدولة فى ظل حكومة الثورة قد دخلت أربع حروب وواجهت تحديات نهضة فى الداخل غير أن التعليم كان أفضل ولم تحدث أزمة خبز مثلا وكنا نستطيع أن نحصل على خدمة صحية أفضل وعلى سكن أفضل بل واللافت والأبسط من هذا أنه لم تكن فى مصر القمامة على هذا النحو المزرى وكأن كل أجهزة الدولة عجزت عن احتواء مشكلة كهذه أو مشكلة المياه مثلا كما لم يكن التكدس فى الجامعة بهذا الشكل

ولم تبلغ البطالة هذا المعدل المخيف ولم يكن الفساد والانحراف المالى والإدارى قد توحش بهذا الشكل ولم تكن هناك أزمة خبز.. إذن فنحن أمام نظام سياسى فاشل بكل المقاييس وأى معيار تطبقه سوف تكتشف أنك أمام نظام فاشل تختلف خواتيمه عن بداياته.


{ ألهذا كتبت مقالاً بعنوان «مصر تبحث عن رئيس؟» كيف، وما هو المأزق؟ 
}} نحن الآن أمام رئيس طاعن فى السن تجاوز الثمانين وهو رأس الدولة ولا تعرف إلى الآن إذا ما كان سيرشح نفسه فى 2011م أم لا؟ واذا لم يرشح نفسه فمن الذى سيأتى بعده هكذا مصير مبهم لدولة قوامها 80 مليون نسمة ولها هذا الموقع التاريخى وكأنه ليس من حق هذا الشعب أو النخبة أن يعرفوا على الأقل.. ما الذى سيحدث فى الأيام القريبة قبل البعيدة؟


{ لكن بإمكاننا التخمين وتوقع الرئيس القادم؟ وبالأخص اذا ما تأملنا المادة 76 من الدستور الخاصة بانتخاب الرئيس؟ 
}} هناك معطيات تشير إليه بقوة؟.. ويتم الاعداد له بشكل ظاهر ليظهر على المسرح فى الموعد المقرر له؟.. وتماما ووفق المادة المذكورة من الدستور فإنه سيكون أحد كوادر الهيئة العليا للحزب الوطنى ولا يوجد أى شخص يمكن أن يكون مؤهلاً إلا جمال مبارك بعد الفرز المدقق لأعضاء الهيئة العليا حتى إن التعديلات الدستورية لم تكتف بأن تغلق كل الطرق وتبدد كل الآمال ولم تبق حتى بابا واحدا مفتوحا، ولكنها تمثل ردة ظاهرة على ما كان قائما قبل التعديل. 
{ كيف؟


}} على سبيل المثال فإن التعديل الذى لحق بالمادة 88 يمنع القضاء من ممارسة اشراف حقيقى ونزيه على الانتخابات فأنت من ناحية تحول دون المرشحين الأكفاء للترشح للرئاسة ومن ناحية أخرى تفتح باب التزوير على مصراعيه وبالتالى تضمن أن مرشح الحزب الحاكم سيأتى إما بدون تزوير أوبالتزوير لكنه بالطبع سيكون من الحزب الحاكم وإذا فحصت اعضاء الهيئة العليا الذين يجوز لهم الترشح لن تجد من الناحية الموضوعية أفضل من جمال مبارك

وإذا كان هناك من هو أفضل منه فلن يجرؤ على منافسته وهذا هو الوجه الثانى من المأساة فى مصر التى يبلغ تعدادها 80 مليون نسمة ويتم إفقار المشهد فيها من صف ثان وثالث حتى لا يكون هناك سوى فرد واحد فى المشهد هو المؤهل للمرحلة القادمة بعد العبث بدستورها تأكيداً على افقار المشهد وإهدار الفرص أمام آخرين وهذه قمة المأساة اذن فأمامنا رجل طاعن فى السن يقود البلد ويقضى نصف وقته فى شرم الشيخ والذى يدير الدولة بالفعل هى الأسرة الحاكمة..

ولا يمكننى أن أتصور أن رئيس الوزراء مثلا هو الذى يدير هذه الدولة ولا أستطيع أن أتصور أن الرئيس مبارك مازال يتمتع بطاقات وإمكانات القيادة مثلما كان فى الماضى فهو لا يمتلك القدرة الصحية والفيزيائية لكى يتدخل ويقرر كل صغيرة وكبيرة يتعلق بمصير البلد لكنه يملك حق الفيتو حيث لا يصدر قرار مصيرى ومهم إلا بموافقته. 

{ وهل تتوقع اعتراضا نخبويا وجماهيريا إذا ما جاء جمال مبارك رئيسا أنا أتوقع ألا يحدث وسيمر كل شيء بسلام؟ 
}} أنا لا أتوقع فقد يكون اختياره مفجراً لرفض عام وغضب عام لتراكمات سيئة لنظام شاخ وترهل ومات إكلينيكياً، والمؤسسة العسكرية لن تتحرك إلا اذا اندلعت مشاكل وذلك لفض الاشتباك ولا يملك الحزب صلاحية ترشيح شخصية من هذه المؤسسة إلا بتعديل دستورى إلا اذا كان الاختيار من الرئيس مبارك شخصيا وبهذا نعود لفكرة التوريث بالاختيار وبالمناسبة لو كان حزب الوسط قد حصل على الترخيص الآن لن يكون قد مر عليه خمس سنوات

ومن ثم لا يحق ترشيح أحد فى انتخابات الرئاسة القادمة.. كما أن المرشح من أى حزب لابد أن يكون قد أمضى فى الهيئة العليا للحزب سنة على الأقل وهذا يعنى أن هذا النظام قدر أنضب كل فرص الأحزاب فى مشاركة سياسية حقيقية وفى تقديم مرشحين للرئاسة.


{ معنى هذا أن الأحزاب السياسية فى مصر تعيش حالة حصار دستوري. 
}} نعم.. بالقطع فقد جفف الحزب الحاكم والنظام الحاكم كل منابع المشاركة السياسية الحقيقية. 
{ وكيف يمكن اختراق هذا الحصار؟


}} الشيء الوحيد الذى يمكن أن تخترق به المعارضة هذا الحصار الدستورى أن تظهر شخصية يجمع عليها الناس وبموافقة النخبة السياسية وأن تنضم هذه الشخصية إلى حزب من الاحزاب ويصبح عضواً فى الهيئة العليا ثم تجمع طوائف المعارضة على ترشيحه بشرط أن يتحقق هذا قبل عام من بدء الترشح لانتخابات الرئاسة، لكن لا قدر الله ـ لو تدخلت العناية الإلهية قبل هذا.. لأجهض هذا الأمل الوحيد أيضا. 

{ نحن قلقون جداً من هذا أعنى من الرحيل المفاجئ؟ 
}} لست وحدك ولكن مصر كلها قلقة ويجب أن يدفعها هذا القلق للبحث عن بدائل، فلقد أفقروا المشهد من أى بدائل. 
{ وهل سيتقبل الشعب هذا الوضع.


}} أتصور اذا وصلنا إلى هذه النقطة واعتزل الرئيس أو اختفى وجرت انتخابات ديمقراطية حقيقية لن ينجح مرشح الحزب الوطنى وهنا يتعين علينا أن نسأل من الذين سترشحهم الاحزاب الأخرى الوفد أو التجمع أو غيرهما والجواب.. اننا نعيش فقراً شديدا فى البدائل والخيارات وقد طال الجدب كل مؤسسات الدولة لأن قياداتها جاءت بالاختيار لا بالانتخاب بهدف تمرير مشروع التوريث

وهذه الاختيارات كانت تتم بضمانات الولاء وليس الخبرة والكفاءة فلدينا تدهور شديد بالخدمات والجهاز الإدارى فى مصر وترهل فتكون أقل تفصيلة من تفاصيل هذا التدهور أن تتعاقد مع شركة «قمامة» 15 عاما ثم تتركك وتعجز أنت كدولة ضخمة عن جمع القمامة من الشوارع وكما كان علاج الدولة لأزمة انفلونزا الخنازير ساذجا جدا ونعيش الآن انعدام تخطيط وحالة من العشوائية على كل الأصعدة وليست هناك حكومة رشيدة والنظام السياسى مخنوق من أعلى وقد لحق به الترهل من الأسفل والشعب ضائع ولا يرى أى أفق ومصر قادمة على مجهول مفتوح على كل الاحتمالات. 

{ كيف؟ وما الحاضن الرئيسى له؟ 
}} رجال الأعمال من مجموعة المصالح فى الحزب الذين زينوا للرئيس مبارك الفكرة كما أن جمال مبارك نفسه رجل أعمال انخرط فى النشاط الخاص برجال الأعمال عندما كان مسئولا فى «بنك أو فى أمريكا» وعمل فى موضوع ديون مصر ثم انخرط فى مجلس الأعمال المصرى الأمريكى وأظن ان الرجال الذين أحاطوا به فى هذا المجلس اكتشفوا شابا ذكياً وطموحا ولديه فكر سياسى فالتفوا حوله،

وأرى أن عدداً كبيرا من المحيطين بجمال قد صنعوا ثروتهم من خلال مواقعهم فى الحزب والقرب من جمال أى راكموا ثرواتهم من الدولة ومن خلال وجودهم وتأثيرهم فى الحزب الحاكم ومن ثم لديهم مصلحة واضحة جداً فى أن تكون هناك استمرارية فى النظام الذى كبروا فى ظله ومن ثم فإن عثورهم على شخص مثل نجل الرئيس كان مسألة مهمة جداً وكان من الممكن ان يقطع عليهم الطريق لو كان هناك رفض من المؤسسة الرئاسية أو البيت الرئاسى، لكن لا الرئيس مبارك اعترض

ولا السيدة سوزان مبارك اعترضت ويبدو أن الفكرة راقت لهما والسيدة سوزان ذكية جدا ومتعلمة جداً أظن أن لديها قناعة بأن جمال مبارك شخصية قيادية تتوفر فيها مقومات القيادة ويمكن تأهليها لأن تلعب هذا الدور وكان يتعين على الرئيس مبارك أن يتدخل فى الأمر ويدرك خطورة الموقف وأن القضية ليست قضية شخصية «هو نجله» يملك مقومات القيادة أم لا وأن مشروع التوريث فى حد ذاته شديد الخطورة..

لكن أن يدخل جمال هذه الحلبة ويصبح الملاكم الوحيد ويحاول أن تقنع الناس أنه فاز بالضربة القاضية فهذا يثير الاستغراب وينطوى على استخفاف سياسى للنخبة والشعب معاً لكن فى نهاية الأمر فإن لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف جرى هذا السيناريو ومن أى الأطراف انطلق، لا أحد لديه معلومات دقيقة.. ربما تحفظ الرئيس مبارك فى البداية لكنه ترك الفكرة تكبر وتتبلور تحت عينيه

                                                  نهاية المطاف

ويبدو أنه فى نهاية المطاف اقتنع بها ولم يجد فيها حرجاً وتصور أن الأمور يمكن أن تمر بسلاسة.. ربما يكون هذا ما حدث وربما هذا مجرد استنتاج لكننى أقول لو كان رافضاً للفكرة لمنعها منذ البداية ولكى نكون أكثر دقة فإن الرئيس مبارك حينما قرر أن يبقى لآخر نفس فقد تم تفسير هذا الأمر على أنه لا يسمح بالتوريث. 

على الأقل فى حياته ثم ترك الموضوع مفتوحاً لاحتمالات.. ما بعد الرحيل، وأظن أن هناك من يريد أن يقنع الرئيس مبارك بأنه إذا لم يتم التوريث فى حياته فلن يتم بعد ذلك وكان هناك تصور بأنه الرئيس لن يرشح نفسه فى عام 2011 م ثم يتقدم جمال للترشيح وأظن هذا سيناريو خطير جداً ولو قبله الرئيس لقبل بمخاطرة شديدة الوقع على المجتمع المصرى

ولذلك فهناك مأزق سياسى فى مصر التى لا تعرف إلى الآن من سيكون رئيسها القادم ولهذا كتبت المقال الذى تفضلت بالاشارة إليه «مصر تبحث عن رئيس» وأكرر أن هذا يجعل الاحتمالات مفتوحة على المجهول. 

{ وجدناك لفترة طويلة متفاعلا مع الإخوان المسلمين فيما يشبه شهر عسل، فلقد دافعت عن عبدالمنعم أبوالفتوح إثر اعتقاله حتى أن عادل حمودة قال إنك حضرت مأدبة إفطار رمضانية مع الإخوان وأكلت الفتة الشرعية، وبدأت تدافع عن الإخوان وأن موقفك هذا يمثل نوعا من الزهايمر السياسى فقد انقلبت على قناعات قديمة معارضة للإخوان باعتبارهم جماعة براجماتية؟


}} اسمع يا سيدي.. أولا لم تتغير قناعاتى السياسية بالنسبة للإخوان قيد أنملة، وأنا لم أؤيد ترشيح عاكف كمنسق للتحالف، وإنما هو الذى رشحنى وحسن نافعة يذهب إلى إفطار الإخوان المسلمين منذ أكثر من عشر سنوات بانتظام، كما أننى كتبت كثيرا عن الإخوان حتى أن البعض ظن أننى عضو فى جماعة الإخوان أو مكتب الإرشاد فقلت إننى لست عضوا وليس لى علاقة بالإخوان على الإطلاق ولست عضوا فى أى حزب سياسى، وحتى عندما خضت انتخابات 1984م خُضّْتُها على قائمة التجمع واشترطت على التجمع ألا أوقع على استمارة عضوية فى الحزب. 

{ ولماذا قبلت دعوة الإخوان للإفطار؟ 
}} قلت لك إننى أحضرها منذ عشر سنوات «مصر كلها بتبقى هناك» هو أنت ماحضرتش ولا مرة إفطار للإخوان؟ ولقيت هناك ممثلين من تيارات مختلفة؟ ثم إننى ألبى كل دعوات الإفطار التى تقيمها جهات أخرى مثل الشروق والوسط وغيرهما «اشمعنى الإخوان» ولماذا هذا الإفطار فقط الذى اكتسب دلالة سياسية أما إذا كان هناك تحالف على مشتركات وطنية فلن أتردد أن أكون منسقا لهذا التحالف.


{ولكن كثيرين يرون جماعة الإخوان جماعة براجماتية وأنت كنت واحدا من هؤلاء؟ 
}} لا أنا قلت تحديدا إنه مطلوب من الإخوان أن يدركوا أنهم جزء من كُلٍّ سياسى وأنهم لا يعبرون عن كل قطاعات الشعب المصرى فهو أكبر من الإخوان ويخطئ من يمارس السياسة فى مصر إذا ظن أن باستطاعته أن يعزل الإخوان ويقدم مشروعا سياسيا من خارج الإخوان ويخطئ الإخوان إذا تصوروا أنهم يمثلون ضمير الأمة وحدهم وأنهم وحدهم الذين يمثلون الأمة المصرية. 

{ انطلاقا من الضجة التى أثيرت حول الدكتورة هالة مصطفى اسأل هناك شخصيات بارزة فى الأهرام من رواد فريق التطبيع واستقبلوا إسرائيليين فى المؤسسة ولم تقم مثل هذه الضجة كيف نفسر هذا وما موقفك؟ 
}} «شوف» أنا موقفى واضح من قضية التطبيع واعتبره ـ تقريباً ـ الورقة السياسية الفاعلة الوحيدة الباقية، والتى يتعين على مصر استثمارها على النحو الأمثل فرفض التطبيع من قبل الشعب المصرى والمؤسسات الفكرية والثقافية موقف صحيح تماما وأنا أؤيده،

وأنا انتقدت كامب ديفيد ومعاهدة السلام وعبرت عن هذا فى كتابى «مصر والصراع العربى الإسرائيلي» وقلت إننى أفرق تماما بين المشاركة فى ندوات فى الخارج يشارك فيها إسرائيليون فهذه ساحة دولية لابد أن نخوضها ولا يجوز إهدارها إنما أن نذهب إلى إسرائيل أو نستقبل شخصيات رسمية إسرائيلية فهذا تطبيع، بل تفريط وأنا أدنت وأدين وأكرر إدانتى لكل من يقدم على هذه الخطوة، وأرى أن موقف النقابة صحيح من التطبيع، وبالتالى فإن لها الحق فى تطبيق القوانين، وفى هذه الحالة عليها أن تطبق القوانين على الجميع وليس على هالة مصطفى فقط. 

{ كان هناك حفل غداء فى السفارة الأمريكية وقاطعه البعض لأن هالة مصطفى كانت مدعوة وأنت حضرته وكان لهذا الحفل تداعيات إعلامية كنت طرفا فيها.. فما القصة؟ 
}} كان هناك حفل غداء فى السفارة الأمريكية وحضره حسام عيسى ولم يحضر د. يحيى الجمل بسبب وعكة صحية وشخص ما كلمنى قبل الغداء وقال إن مدعويين رفضوا الدعوة لأن هالة مصطفى مدعوة وستحضر فقاطعوا الحفل فقلت له أنا لا أتعامل مع الأمور بهذا الشكل وأنا لا أقاطع هالة مصطفى حتى لو زارت إسرائيل، ولكنى أقاطع إسرائيل وأؤيد نقابة الصحفيين إذا اتخذت إجراء، هناك شخص من «الشروق» كلمنى ونشر التصريح يبدو أنهم نشروا التصريح بشكل مختلف وأنا قابلت هالة هناك ولم يتحدث أحد معها فى الموضوع إطلاقا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق